16%

٢ ـ قصة يوسفعليه‌السلام

استعرض القرآن تفصيل القصة المأساوية ، التي جرت على يوسفعليه‌السلام مع إخوته ، وقد بدأ الله عزّ وجلّ الحديث عن يوسف وظلامته وهو طفل صغير ، بقوله تعالى :( لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبّ إلَى‏ أَبِينَا مِنّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّ أَبَانَا لَفي ضَلالٍ مّبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ ) ( فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبّ ) ، فكشفت هذه الآية عن مدى قسوتهم وتعصّبهم وتجمّعهم ، وفضاعة فعلهم في إلقاء الطفل الصغير ـ الذي لا يقوى على شيء ـ في أعماق البئر ، ولا يخفى ما في هذا المشهد من تهييج العاطفة والحزن ، ليجعل من القارئ والسامع يعيش الحالة المأساوية ، وكأنّها متجسّدة أمامه .

ثم يتابع القصة باستعراض مقطع آخر لا يقل مأساةً عن سابقة ، وهو عظمة وشدّة آثار المصيبة على يعقوبعليه‌السلام بقوله تعالى :( وَتَوَلّى‏ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى‏ عَلَى‏ يُوسُفَ وَابْيَضّتْ عَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم * قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى‏ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنّمَا أَشْكُوا بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ، وهذا النص القرآني يكشف عن أنّ الجزع والندبة قد اشتدا وتفاقما على يعقوبعليه‌السلام إلى حد إصابته بالعمى ، وفي بعض الروايات ( دخل جبرئيل على يوسف وهو في السجن ، فقال : أيّها الملك الطيب الريح ، الطاهر الثياب أخبرني عن يعقوب أو ما فعل يعقوب ؟ قال : ذهب بصره ، قال ما بلغ من حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى )(١) ، كذلك يكشف النص القرآني الآنف الذكر أنّهعليه‌السلام قد اشتد حزنه ، كما هو معنى البث ، وشكواه إلى الله تعالى إلى درجة اتهام أبنائه له بالخلل في عقله أو بدنه كما هو معنى (الحرض) ، وهذا دليل قرآني قاطع على أنّ شدّة الحزن والجزع على الأصفياء ، والالتجاء إلى الله تعالى وبث الشكوى إليه تعالى ممدوح ؛ لأنّه من فعل الأنبياء المعصومين ، وفي تتمة الرواية السابقة سأل يوسفعليه‌السلام جبرائيلعليه‌السلام : ( قال : ما أجره ؟ قال : أجر مائة شهيد ) ، وهذا بخلاف ما لو كان الجزع جزعاً من قضاء الله وقدره ، فهو من الجزع المذموم ؛ لأنّه يعد اعتراضاً على الله تبارك وتعالى .