11%

الدليل السابع : إنّ الحزن والبكاء والرثاء ممّا تقتضيه الفطرة البشرية

من الواضح أنّ التركيبة الإنسانية مليئة بالعواطف والأحاسيس ، ويعد هذا الجانب من العناصر الأساسية في الفطرة الإنسانية التي أودعها الله تعالى في النفوس :( فِطْرَتَ اللهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) .

وقد قنّنت الشريعة حدود هذه الفطرة بحيث لا تصل إلى حدّ الإفراط والتعدّي للحدود الإلهية ، وكذلك لا تصل إلى حد التفريط وإماتة هذه الفطرة ، والشريع الإسلامية وفقاً لمتطلبات تلك الفطرة سمحت بالحزن والبكاء ؛ ولذا نجد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال حينما فقد ابنه إبراهيم :( العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) (١) .

فإنّ إهمال هذا الجانب العاطفي واضمحلاله وإماتته يؤدّي إلى مضاعفات وآثار سلبية على الشخصية ، وهذا ما يؤكّده علماء النفس (السيكولوجيا) حيث إنّهم يؤكّدون على ضرورة اتخاذ البكاء وسيلة للتنفيس عن النفس لما ألمّت بها من المصائب ، ومَن يتخذ البكاء وسيلة يكون أبعد من غيره في احتمال وقوعه وأصابته بالاختلال العقلي والنفسي ، فإنّ الذي يمتنع عن البكاء يكون عرضة للإصابة بأنواع من العقد النفسية والانفصام في الشخصية ، بخلاف مَن يتخذ من البكاء وسيلة لتهدئته والتخفيف عنه ، والتهوين عن شدّة وطأة المصائب فإنه يكون أقل عرضة للإصابة بتلك الأمراض ، فالبكاء يخلق حالة من التوازن الروحي في النفس الإنسانية .

وهذا لا يعني أنّ البكاء يقلل من العزم والهمّة في نصرة الحق ، وإنّما البكاء من خلال توجيهه الوجهة الصحيحة وجعله ضمن الغاية المرسومة له ، يجعل الشخص ساعياً لتحصيل ما افتقده أو الثأر له ـ مثلاً ـ المظلوم يبكي ويحزن ويأسف على فقد حق من حقوقه فإنّه وإن خفّف عن نفسه ببكائه من جهة الضغط المتراكم عليه نتيجة ذلك الفقدان ، لكن لا زال البكاء والحزن يزيد المظلوم شوقاً إلى حقّه المغتصب ، فإنّنا نشاهد بالوجدان أنّ ذلك المظلوم يزداد عزماً وتصميماً وإرادة لتحصيل حقّه المهدور ، وأنّ بكاءه لا يقف عائقاً أمام حركته بتاتاً .

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٢ ص ٨٥ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٢ ص ١٩٤ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٢ ص ٧١٧ ؛ ونحوه مستدرك ، الحاكم : ج ٤ ص ٤٠ ؛ سنن أبي داود : ج ٢ ص ٦٤ .