وعلى ضوء ما سلف نجد أنّ علماء الاجتماع يدركون مفارقة بين بلدان الشرق ـ لا سيّما الشرق الأوسط ـ وبين بلاد الغرب ، ويلاحظون في الشرق وجود مزيد من العاطفة والإحساس أكثر منها في الغرب ، وكأنّما ما هو الموجود في الغرب مجرّد قوالب إدراكية عقلية خالية من الجانب العاطفي والروحي ؛ ولذا تشير الإحصائيات في مجالات عديدة إلى بروز الأمراض الروحية والنفسية والعقد وتفكّك الأسر وكثرة الحالات الانتحارية وغيرها ، ممّا هو مرتبط بجانب العاطفة .
إذن طمس هذه النعمة التي أنعم بها الباري علينا وإلقاؤها يعتبر طمساً لفطرة الله تعالى .
لعلّ نافلة القول التحدّث عن معطيات المجالس والمآتم الحسينية ودورها الإيجابي في تكامل الفرد والمجتمع ، وترسيخ القيم الروحية والأخلاقية .
فإنّ ما تحمله تلك المآتم والمجالس من القيم والمعاني الإنسانية الرفيعة ، فضلاً عن مشاهدها وأحداثها الملحمية الدامية ، كلّ ذلك جعل من ثورة الإمام الحسينعليهالسلام رمزاً يتجاوز في دلالاته حدود الزمان والمكان ، ويعلو على حواجز الانتماء إلى مذهب أو طائفة ؛ لذا صار الإمام الحسينعليهالسلام إرثاً ورمزاً إنسانياً عاماً يستنطقه ويستلهم منه الجميع .
ولأجل إلقاء المزيد من الضوء نستعرض بعض تلك المعطيات ضمن النقاط التالية :
الذي يتصفّح كتب التاريخ التي تسرد تفاصيل حركة عاشوراء الأليمة ، يهتز ضميره وينتابه الحزن والألم الشديد ، وتسيل دموعه عندما يمر بكل مفردة من مفردات تلك الواقعة المأساوية ، فقد رافقت المأساة يوم عاشوراء عندما مال الأعداء على كثرتهم وشراستهم على معسكر الإمام الحسينعليهالسلام على قلّة أصحابة وخذلان الناصر ، فما غابت شمس يوم العاشر من محرّم إلاّ وهم مجزّرون على رمضاء كربلاء مسلّبون تصهرهم الشمس بحرارتها ، وليتهم أكتفوا بذلك ، بل عمدوا إلى ذلك الجسد الطاهر ورضّوه بحوافر خيولهم ، وهجموا على حرم رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فسلبوهن ، وروّعوهن هذا ، والسياط تعلوا متونهن ضرباً وتلويعاً ، ثم ساقوهم كما تساق الأسارى من بلد إلى بلد ، ومن مجلس إلى مجلس يتصفّح وجوههم الدنيء والشريف ، وغير ذلك من الفجائع والرزايا التي تكشف عن