إنّ في إقامة هذه المآتم حثّاً على معرفة أهل الفضل والصفات السامية ، ومن ثمّ الإقتداء بهم ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر أنّ في هذه المآتم إبراز لدور القدوة والأسوة في حياة المجتمع ، فإنّ الإنسان إذا علم أنّ القدوة قد جسّد المبادئ الإسلامية التي كان يأمر ويدعو للإتيان بها ، فسيكون تأثيرها أوقع ممّا لو كانت مبادئ فارغة عن التجسيد في الواقع الخارجي ، فلو لم يقدّم الإمام الحسينعليهالسلام نفسه وأهل بيته وأصحابه في سبيل الله ، لما كان لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد والتضحية في سبيل الله وغيرها من مبادئ الإسلام ذلك التأثير البالغ الذي أعطته الثورة الحسينية لتلك المبادئ .
إذن هذه المآتم تقوم بإبراز ذلك الدور الأساس الذي قام بتجسيده إمامنا الحسينعليهالسلام تجسيداً حيّاً وفعّالاً ، ولا يخفى ما لهذا من الأثر الكبير في نفوس المؤمنين .
إنّ في إقامة المجالس حفظاً للمذهب من كيد الأعداء الذين طالما سعوا للقضاء على مذهب أهل البيت بالقتل والتشريد والتطريد وأنواع الظلم والجور والمكر والكيد ؛ لأنّ هذه الجالس ـ التي تعرض رزايا أهل البيتعليهمالسلام وما جرى عليهم من المصائب ـ تقوّي من عزيمة المؤمن على ما يحل به من رزايا ومصائب ومحن إلى قيام دولة الحق والعدل على يد الإمام المهديعليهالسلام ، كل ذلك من خلال طرح المفاهيم الإسلامية الصحيحة وبلورة الأسس الفكرية الصائبة وتوضيحها للناس ، من خلال ذكر أقوالهم وسيرتهم ومواقفهم في شتّى المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية على مر الدهور ، وجعل أقوالهم وسيرتهم وما جرى عليهم نبراساً ينير الدرب ، ويُعبّد للمؤمنين طريقاً لا يمكن سلكه لو لا التزود من سيرتهم الحقّة ، فالمآتم والمجالس لها الدور الكبير في نشر علوم وفضائل أهل البيتعليهمالسلام على مختلف المستويات والأصعدة ؛ لذا قيل : إنّ المذهب الشيعي يمتلك محورين أساسين لا يمتلكها أي مذهب آخر وهما نظام المرجعية في أمور الدين ، والمجالس الحسينية .
وهذان المحوران تفتقر إليهما المذاهب الأخرى ممّا جعلها تفقد حالة الاستقلالية ؛ ولذا احتاجت إلى الدعم السياسي لها من قِبل السلطات الحاكمة ، على عكس مذهب أهل البيتعليهمالسلام الذي كان يتمتع باستقلالية تامة عن الحكومات الجائرة على رغم المحاربة التي لا هوادة فيها من قِبل تلك السلطات تجاه مذهب أهل البيتعليهمالسلام .