16%

والآيات القرآنية تثبت أنّ لكلّ ملك مقاماً معلوماً( وَمَا مِنّا إِلاّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ) (١) ، وهذا يعني أنّ الملائكة متفاوتون في مقاماتهم ووظائفهم الموكولة إليهم من قِبل الله تعالى ، فمنهم الكروبيون ومنهم ما دون ذلك ، فلكل واحد منهم عمله ووظيفته الخاصة به ، فكل بحسب استعداده ومرتبته وقربه من الله تعالى ، فمثلاً جبرائيل موكّل بإنزال الوحي السماوي على الأنبياء والرسل ، وميكائيل موكّل بالأرزاق ، وعزرائيل موكّل بقبض الأرواح ، وإسرافيل موكّل بالنفخ في الصور .

وهنالك ملائكة مكلّفون بتدبير السحاب والرياح والمطر وتسجيل أعمال العباد وآخرون موكّلون بالجحيم والجنّة ، كلهم يعملون بإذن الله وإرادته .

إذن نستفيد من هذه البيانات القرآنية وجود نظام متسلسل قائم على نظام العلية والمعلولية ، والسببية والمسببية .

والأمر ذاته نجده في عالم الطبيعة كالزرع والإنبات وغيرها ، لا تأتي إلاّ ضمن سلسلة من العلل والوسائط ، وقائم على سنن إلهية لا تبدذل ولا تغيّر( فَلَن تَجِدَ لِسُنّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنّتِ اللهِ تَحْوِيل ) (٢) .

ولا شك أنّ كل هذه الوسائط والأسباب خاضعة لإرادة ومشيئة الله تعالى :( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ اللهُ إِنّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (٣) .

هل الله تعالى محتاج إلى الوسائط ؟

إنّ تصوّر احتياج الله تعالى إلى تلك الوسائط ، ما هو إلاّ نوع من الضلالة الفاضحة ، إذ كيف يكون الله تبارك وتعالى محتاجاً إلى غيره( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) ، فله القدرة المطلقة على كل شيء .

ومجمل القول في هذا الأمر هو أنّ ضعف المرتبة الوجودية للأشياء ، وعدم استعدادها لاستقبال الفيض الإلهي مباشرة ، هو الذي أحوجها إلى الاستظلال بظل الموجودات الأعلى منها مرتبة ، وتتلقّى الفيض الإلهي عن طريقها ، فعلى سبيل المثال فإنّ الله تعالى هو الذي يحيي الأرض وما عليها

ــــــــــــــ

(١) الصافات : ١٦٤ .

(٢) فاطر : ٤٣ .

(٣) الإنسان : ٣٠ .