بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيِمْ
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ..
وبعد فإننا مع الاِمام الجوادعليهالسلام سنعيش لاَول مرة ظاهرة مثيرة بحق ، تستوقف النظر وتستحث العقول ، ألا وهي الاِمامة المبكرة ، الظاهرة التي نصادفها لاَول مرّة في تاريخ أهل البيتعليهمالسلام ، فابن الثامنة من العمر يتولى هنا إمامة المسلمين بكل ما يتعلق بها من مسؤوليات ومهام ، وما تتطلبه من علم كامل بالشريعة وأحكامها ، ومن الصعب بل المتعذّر أن يدّعى كل هذا لمن هو في هذه السن ، إلاّ أن يكون محاطاً بعناية إلهية خاصة وقد اصطنعه الله تعالى لهذه المهمة ، وأُعدّ لها الاِعداد التام من قبل.
وهذا ما ينقلنا على الفور الى استدعاء البعد المميز لشأن المصطَفَين ودور الاصطفاء في إحداث النقلة النوعية في الذات الاِنسانية ، الاَمر الذي يجعل مقارنة المختصّ بهذا الاصطفاء مع غيره من سائر الناس حتى أصحاب المواهب الخاصة مقارنة فاقدة لموضوعها ، غير مبرَّرة بحال وهذا ما يجعل ظاهرة كهذه أمراً طبيعياً ، في دائرة الاِمكان ، وبلا غرابة ، وهذا ما ينقلنا مرّة أخرى الى النماذج الاَسبق في هذه الدائرة ، والذي باصطحابه ستكون الظاهرة التي اقترنت بالاِمام الجوادعليهالسلام إنّما هي أنموذجاً مكرّراً لظاهرة أسبق تاريخاً ، بكثير ، ففي دائرة الاصطفاء قد سبقت النبوّة لعيسى ابن مريم في السابعة من عمره بعد أن تكلم بها في مهده ، ثم سبقت بكل مهماتها ولوازمها لصبيّ ما يزال في بواكير صباه ، ذلك يحيى بن زكرياعليهماالسلام : (وآتيناه الحكم صبيّاً) فلسنا إذن مع أمر ممكن الوقوع فحسب ، بل مع أنموذج مكرر لواقع محقق ، وضمن الدائرة ذاتها ، دائرة الاصطفاء