الرواةُ المتأخّرون
لكنّ الذي يُهوّن الخَطب أنّنا نأخذ التفاصيل من كُتب علمائنا الموثوقين الأجلاّء:كالشيخ المفيد في الإرشاد ،والشيخ الإربلّي في كشف الغمّة ،وأبي مَخنف ،والخوارزمي في مقاتلهم،والشيخ التُستري في كتابه عن الحسين عليهالسلام وأضرابهم.
إلاّ أنّنا مع ذلك ينبغي أن نكون حَذرين في النقل لعدّة أمور:
الأمرُ الأوّل: إنّ كثيراً ممّا نَقلوا من الروايات هي ضعيفة السند ومرسلة، وعلى كلّ تقدير لا يمكن الآخذ بها فقهيّاً.
وقد يخطر في البال: إنّ هؤلاء العلماء هم الذين تكفّلوا صحّتها على عاتقهم، فهي معتبرة وصحيحة في نظرهم، وهذا يكفي في النقل وإن كانت مرسلة أو ضعيفة بالنسبة إلينا.
وجوابهُ: بالنفي طبعاً، يعني لا يكفي ذلك؛ لأنّ صحّتها التي يعتقدون بها إنّما هي صحّة اجتهاديّة وحدسيّة، وليست حسيّة لتكون حجّة على الآخرين، أو قل على الأجيال المتأخّرة، كما هو مبحوث عنه في علم الأصول.
الأمرُ الثاني: إنّه ينبغي التأكّد من نسبة الكتاب إلى مؤلّفه فقد يكون كلّه مُنتحلاً أو بعضه، أو يكون مزيداً عليه أو محذوفاً منه وغير ذلك من الاحتمالات، وإذا وردَ الاحتمال بطل الاستدلال، ولعلّ أهمّ وأوضح ما هو مشكوك بالنسبة إلى مؤلّفه هو مقتل أبي مخنف، وهو ممّا يَعتمد عليه الناس كثيراً، وأبو مَخنف رجل صالح وموثّق، إلاّ أنّ نسبة كتابه إليه مشكوكة.
الأمرُ الثالث: إنّه ينبغي التأكّد أنّ النقل في الكتاب إنّما هو بنحو الرواية لا بنحو الحدس؛ فإنّه وجِد خلال التأريخ مَن كَتبَ عن واقعة الطف من زاوية الحَدس والكشف العرفاني لا بنحو الرواية، وحاولَ فهمها من وجهة نظره تلك، وهذا هو الذي يبدو من الشيخ التستري في كتابه(الخصائص الحسينيّة) حيث يقول مثلاً:
(إنّ الحسين عليهالسلام حَصلت له حالة الاحتضار ثلاث مرّات) ، فإنّ هذا إن صحّ، فقد أخذهُ بالكشف العرفاني بلا رواية؛ فإنّه لا توجد أيّة رواية بذلك، وهكذا كثير من التفاصيل.