15%

ومن المعلوم أنّ السيطرة على الكوفة تحتاج إلى قتال، وهو ممّا لم يأذن به الحسينعليه‌السلام .

فإنّ نصّ جواب الحسينعليه‌السلام يقول:(أمّا بعد، فقد فهمتُ كلّ الذي اقتصَصتم وذَكرتم، ومقالة جُلّكم: إنّه ليس علينا إمام فأقبِل لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ، وأنا باعثٌ لكم بأخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، وأمرتهُ أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتبَ إليّ أنّه قد اجتمعَ رأي مَلأكم وذوي الحِجى منكم على مثل ما قدّمت به رُسلكم وتواترت به كتبكم، أقدِم إليكم وشيكاً إن شاء الله) (١) إلى آخر ما قال، وهو خالٍ من التخويل بالحرب، كما هو واضح.

الأمر الثاني: إنّ استلام حكم الكوفة من قِبل مسلم بن عقيل إن كان بدون حرب - كما يُشعر به كتاب أهلها الذي سمعناه حين يقولون عن حاكمها: (أخرجناهُ وألحقناه بالشام) هكذا بكلّ سهولة - لهانَ الأمر، بل أمكنَ القول شرعاً، بأنّه تجب السيطرة على الكوفة عندئذٍ، إلاّ أنّ الأمر لم يكن كذلك جزماً، لعدّة أمور منها:

أوّلاً: وجود المنافين والمعاندين في الكوفة بمقدار معتدٍّ به، وهم بلا شكّ مستعدّون للوقوف ضدّ هذا الاتّجاه، سواء بالحرب لمنعه أو بالتآمر لإفشاله وإسقاطه لو تمّ، ومن هنا يصعب حصول الأمر بالنجاح التام والمستمر.

ثانياً: إنّ حاكم الكوفة يومئذٍ(النعمان بن بشير) ، وإن كان حسب ما وردَ في التاريخ: أنّه كان رجلاً متخاذلاً مشكّكاً يحبّ العافية، ويُفضّل الراحة والسلامة(١) ، ولكنّه مع ذلك ورد أنّه خَطبَ وهدّد الكوفيين بأنّ استعمالهم للسلاح ضدّه،

____________________

(١) تاريخ الطبري: ج٦، ص١٩٨، مناقب ابن شهرآشوب: ج٣، ص٢٤٢، مقتل الخوارزمي: ج١، ص١٩٥.

(٢) إعلام الورى للطبرسي: ص٢٢٤، الفتوح لابن أعثم: ج٥، ص٧٥.