أسئلةٌ حول واقعة الطف
بعد أن انتهينا من المهمّ من موارد ومقدّمات واقعة الطف - لو صحّ التعبير - فلنا الآن أن نلتفت إلى الواقعة نفسها؛ لنسمع ما قد يُثار حولها من استفهامات يمكننا أن نعرضها في الجهات التالية:
الجهة الأولى: إنّه وردَ في التاريخ أنّ الحسينعليهالسلام جَمع أصحابه ليلة اليوم العاشر من المحرّم، وأذِنَ لهم بالانفصال عنه والتفرّق في البلدان لكي ينجوا من القتل، وقال فيما قال:(ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإنّي قد أذنتُ لكم جميعاً، فانطلقوا في حِلٍّ ليس عليكم منّي حرج ولا ذمام، وهذا الليل قد غَشيكم فاتّخذوهُ جَمَلاً، ثمّ ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذَروني وهؤلاء القوم؛ فإنّهم لا يريدون غيري، ولو أصابوني لذُهلوا عن طلب غيري) (١) ، فرفضوا ولم يتفرّقوا، فهنا قد تَرد عدّة أسئلة:
إحداها: لماذا أذِن لهم بالتفرّق عنه مع حاجته إليهم في الدفاع عنه؟
ثانيها: لماذا لم يتفرّقوا عنه، وماذا كان هدفهم في ذلك؟
ثالثها: إنّهم كان يجب عليهم أن يهربوا؛ لأنّ التعرّض للقتل حرام، فلماذا لم يفعلوا؟
أمّا عن السؤال الأوّل: فأوّل خطوة ينبغي اتخاذها بهذا الصدد هو: نفي ما زَعمه السائل من أنّ الحسينعليهالسلام كان محتاجاً إلى أصحابه في الدفاع عنه، بل لم يكن من حاجة إلى ذلك أصلاً؛ لأنّه يعلم أنّه مقتول لا محالة، ولم يكن في وضعٍ يؤهّله للنجاة طبيعياً بكلّ صورة، ولم يكن كلّ أصحابه بالعدد الكافي للدفاع عنه، وإنّما يدور الأمر بين مقتله وحده أو قتله مع أصحابه، أمّا التسبيب إلى نجاته فهو غير محتمل إطلاقاً.
____________________
(١) تاريخ الطبري: ج٦، ص٢٣٨، الكامل لابن الأثير: ج٤، ص٢٤، الخوارزمي: ج١، ص٢٤٦.