المستوى الثالث: إنّه شعرَ بتكليفه في ذلك الحين بوجوب الإعراض عن شُرب الماء وأطاع تكليفه ذاك، وهذا الشعور يكون بأحد أساليب: إمّا بالإلهام، أو بالرواية عن رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، أو عن فاطمة الزهراءعليهاالسلام ، كما نُقل في بعض الروايات(١) .
المستوى الرابع: إنّهعليهالسلام أراد أن يموت عطشاناً عَمداً أمام الله سبحانه؛ لأنّ ذلك أكثر أجراً وأعلى مقاماً، ومن هذا القبيل ما رويَ عن أبيه أمير المؤمنينعليهالسلام عندما دُعي إلى مأدبة، فأكلَ ثلاث لقم فقط ثمّ سحبَ يده، فقال له ابن عبّاس: هلاّ أكلتَ يا أمير المؤمنين؟ فقال:(إن هي إلاّ ثلاث وأريد أن ألقى ربّي خميصاً) (٢) .َ
إذاً فكان أمير المؤمنين يريد أن يلقى الله جوعاناً، فكذلك ابنه العبّاس يريد أن يلقى الله عطشاناً.
وينبغي أن نلتفت أنّ المستوى الأوّل هو الأهمّ فقهيّاً، وهو الذي فتحَ الباب للعبّاسعليهالسلام إلى أحد المستويات الثلاثة الأخرى؛ لوضوح أنّ شرب الماء لو كان سبباً للنجاة كان واجباً، ولا تقوم أمامه المستويات الأخرى إطلاقاً، إلاّ أنّنا عرفنا أنّه لا يُحتمل فيه ذلك.
الجهة الثالثة: إنّه نقلَ إلينا التاريخ: أنّ عليّ بن الحسين الأكبرعليهالسلام خرجَ إلى الحرب فترةً من النهار ثمّ رجعَ إلى الحسينعليهالسلام فقال:(يا أبه، العطش قد قَتلني وثِقل الحديد قد أجهدَني، فهل إلى شُربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء) ،
____________________
(١) مقتل الخوارزمي: ج١، ص١٦٢.
(٢) الكامل لابن الأثير: ج٣، ص١٩٥.