الجهة الرابعة: قالوا - كما في بعض المقاتل عن رضيع للحسينعليهالسلام -: (ثمّ أتى به نحو القوم يطلب له الماء، وقال:(إن لم ترحموني، فارحَموا هذا الطفل) ، فاختلفَ العسكر فيما بينهم، فقال بعض:إنّ كان ذنبٌ للكبار فما ذنب الصغار ، وقال آخرون:لا تُبقوا لأهل هذا البيت باقية ، وكادت الفتنة أن تقع بينهم، فصاح ابن سعد في حرملة بن كاهل:اقطع نزاع القوم ، قال: فوضعتُ السهم في كبد القوس، وقلت: أللوالد أم للولد؟ قال: بل الولد، فرميتهُ وهو في حِجر أبيه فذبحته من الوريد إلى الوريد، فتلقّى الحسين الدم بكفّه ورمى به نحو السماء)(١) .
فقد يخطر في الذهن: إنّه لماذا أخذَ الحسين رضيعه إلى جانب الأعداء؟ مع أنّه من الواضح حصول قتله على أيديهم، وهو أمر لا يخفى على الحسينعليهالسلام ، حتّى بالتسبيب الطبيعي فضلاً عن العلم الإلهامي، ويمكن الجواب على ذلك على عدّة مستويات نذكر منها:
المستوى الأوّل: إقامة الحجّة على الأعداء، وفضحهم في النتيجة، إذ يثبت بالحسّ والعيان قتلهم للأطفال والعُزّل، وهو أمرٌ يثبت على عدّة مستويات منها: أمام أفراد الجيش المعادي نفسه، ومنها: أمام الجيل المعاصر للحسينعليهالسلام ، ومنها: أمام الأجيال المتأخّرة عنه، ودلالة ذلك: ما سمعناه عن المؤرّخين من وقوع الخلاف بين أفراد الجيش المعادي، فقال بعض المنصفين منهم:(إذا كان ذنبٌ للكبار فما ذنب الصغار) ، وقال بعض المعاندين:(لا تُبقوا لأهل هذا البيت باقية) ، فقد حصلَ التمحيص والامتحان آنيّاً، فضلاً عن إقامة الحجّة في المدى القريب والبعيد.
____________________
(١) مناقب ابن شهرآشوب: ج٣، ص٢٥٧، مثير الأحزان لابن نما: ص٥٢، اللهوف لابن طاووس: ص٤٩.