ومَن يكون حاله هو العلم اليقين بموته، يرتفع عنه حُكم التقيَّة مِن قاتله، وله أنْ يفعل ما يشاء. تصوَّر شخصاً محكوماً عليه بالإعدام، وسوف يصعد عمَّا قليل على خشبة المشنقة، فعندئذ تهون الدنيا في نظره، ويُمكنه أنْ يفعل أو يقول ما يشاء تجاه جلاَّديه؛ لأنَّهم سوف لن يزيدوا على قتله على أيَّ حال.
فعلى ذلك كان حال الإمام الحسينعليهالسلام ، ومعه فضَّل أنْ يموت بهذا الشكل عن أنْ يموت خامل الذِّكر مُحوَّطاً بالذلة والنسيان.
إلاَّ أنَّ هذا الوجه بمُجرَّده لا يتمُّ؛ لأنَّهعليهالسلام لو كان قد قَبِل بالمباعية لكفُّوا عن العزم على قتله، وهذا واضح لديه ولدى غيره.
إذاً؛ فالعلم بموته إنَّما بصفته رافضاً للمبايعة صامداً ضدَّها. إذاً فيرجع هذا الوجه إلى وجه آخر مِمَّا ذكرناه كالوجه الرابع السابق.
الأمر السادس: إنَّ حُكم التقيَّة وإنْ كان نافذ المفعول عليهعليهالسلام وغيره مِن البشر، إلاَّ أنَّه مُخصَّص في حقِّهعليهالسلام فهو خارج عن حكمها بالتخصيص والاستثناء. وقد ثبت لديه التخصص، إمَّا بالإلهام، وأمَّا بالرواية عن جَدِّه رسول اللهصلىاللهعليهوآله (١) ؛ ولذا لم تكن التقيَّة في حقِّه واجبة ولا تركها عليه حراماً.
وربَّما عُدَّ مِن الأدلَّة في هذا الصدد، ما ورد مِن بكاء النبيصلىاللهعليهوآله على مقتل الحسينعليهالسلام يوم ميلاده(٢) ، لعلمه المسبق بذلك، وهو ما يُستفاد
____________________
(١) البحار للمجلسي ج٤٤ ص٣٢٨ - أسرار الشهادة للدربندي ص٢٢٤
(٢) الخصائص الكبرى ج ٢ ص١٢٥ - أمالي الصدوق ص١١٨ الحديث ٥ - البحار للمجلسي ج٤٤ص٢٥٠- تاريخ أبن عساكر ترجمة الإمام الحسين ص١٨٣.
ولهذا بكاه عدد مِن الصحابة (رضوان الله عليهم)، منهم سلمان الفارسي حيث مرَّ على كربلاء حين مجيئه إلى المدائن، فقال هذه مصارع إخواني، وهذا موضع مَناحتهم ومِهراق دمائهم، يُقتل بها ابن خير الأوَّلين والآخرين. (رجال الكشِّي ص١٣ ط هند)، وكذا بكاه أمير المؤمنين في مسيره إلى صِفِّين نزل =