لم يأتِ به الثقة، ثمَّ إنّه وقف موقفاً متحفِّظاً إزاء قاعدة (انجبار السند بعمل الأصحاب، ووهْن الخبر بإعراضهم وإنْ كان صحيحاً)، تطلَّب ذلك الموقف الخوض في مباحث علم الرجال؛ لضيق مساحة الأخبار المعتمَدة في دائرة الثقات، ففتح الباب بهذا الموقف للاهتمام الواسع بعلم الرجال، وكان الأثر واضحاً، حيث صدرت عنه موسوعة مُعجم رجال الحديث، ويمكن أنْ نَعْزي الجمود الحاصل في علم الرجال، خلال فترة طويلة سبقت هذا العَلَم إلى أسباب، منها الاعتماد على نظرية انجبار السند بعمل الأصحاب.
٤ ـ التعرُّف على العوامل المؤدِّية للنجاح أو الإخفاق في مرحلةٍ ما مِن مراحل العلم التاريخية، تنفع في توظيف عوامل النجاح والحذر مِن عوامل الإخفاق.
دراسة التاريخ بشكل عام تفرز هذه الفائدة العظيمة، ودراسة تاريخ العلوم بشكل خاص لا تتخلَّف عن هذه القاعدة، فبدراسة تاريخ الاجتهاد يمكننا ـ مثلاً ـ الوقوف على الأسباب التي أدَّت إلى حالة الجمود والركود في حركة الاجتهاد والإبداع الفقهي بعد زمن الشيخ الطوسي، أو الأسباب التي أدَّت إلى ظهور الحركة الإخبارية في مدرسة الفقه الإمامي، وأنَّها كانت ردَّة فعل مِن قِبل الإخباري ـ وهو المتديِّن المخلص ـ على ظاهرة تأليه العقل في عملية الاستنباط، والتي تؤدِّي إلى ضياع التراث الثرِّ مِن أخبار أهل البيت (عليهم السلام).
والوقوف على هذه الأسباب يثري الخبرة، ويضيف إليها نصيباً مِن تجارب الآخرين.
والفقه الإسلامي كعلمٍ مِن العلوم لا يتخلّف عن هذه القاعدة، فكلُّ ما ذُكر مِن نقاط عامَّة تنطبق عليه، والأمثلة التي سيقت تقرِّب وجهة نظرنا.
هدف البحث
يهدف بحثي هذا ـ مِن وراء متابعة وعرض سيَر عملية الاجتهاد، مِن حين ظهورها إلى عصرنا الحاضر، وإلقاء نظرة على الآراء المختلفة في مسائل مثَّلت محلَّ خلاف بين المسلمين، أمثال جواز اجتهاد النبي (صلّى الله عليه وآله) واجتهاد الصحابة، ثمَّ تتبُّع ما وقع مِن تطوُّر وتكامل مرَّت به عملية الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية لدى المدرسة السنَّية، ومدرسة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ـ إلى تهيئة مادة تاريخية لعملية الاجتهاد، ينتفع منها الباحث في الوقوف على كثير مِن الأسباب لحوادث ما زال تأثيرها على هذا العلم حتَّى يومنا الحاضر، كانسداد باب الاجتهاد عند المذاهب الأربعة، وانفتاحه عند