4%

(الشاهد (60) )

مَلَك على صورة ابن المـُبارك(1)

في تذكرة الخواصّ: أنبأنا عبد الملك مظفّر بن غالب الحرّي بإسناده، قال: كان عبد الله بن المبارك يحجّ سنة ويغزو سنة، فعل ذلك خمسين سنة، قال: لمـّا كانت السنة التي أحجّ فيها أخذت في كُمّي خمسمئة دينار، وخرجت إلى موقف الجمال بالكوفة؛ لأشتري جملاً، فرأيت امرأة على بعض المزايل تنتف ريش بطّة ميِّتة فتقدّمت إليها وقلت: لم تفعلين هذا؟!

فقال: يا عبد الله، لا تسأل عمّا لا يعنيك.

قال: فوقع في خاطري من كلامها شيء فألححت عليها.

فقالت: يا عبد الله، قد ألجأتني إلى كشف سِرّي إليك، وأنا امرأة علويّة، ولي أربع بنات يتامى، مات أبوهنّ من قريب، وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئاً، وقد حلّت لنا الميتة، فأخذتُ هذه البطّة أُصْلِحها وأحملها إلى بناتي فنأكلها.

فقلت في نفسي: ويحكَ - يا ابن المبارك - أين أنت عن هذه؟ فقلت: افتحي حِجرك. ففتحته فصببت الدّنانير في طرف إزارها، وهي مُطرقة لا تلتفت إليّ، قال ومضيت إلى المنزل، ونزع الله من قلبي شهوة الحجّ في ذلك العام، ثمّ توجّهت إلى بلادي، وأقمت حتّى حجّ النّاس وعادوا، فخرجت أتلقّى جيراني وأصحابي، فجعل كلُّ مَن أقول له: قبل الله حجّك، وشكر سعيك. يقول: وأنت كذلك، أما قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثَرَ النّاسُ عليَّ في القول، فبتُّ مُتفكِّراً في ذلك، فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وهو يقول لي:( يا عبد الله، لا تَعجب؛ فإنّك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق مَلَكاً على صورتك يحجّ عنك كلّ عام إلى يوم القيامة، فإن شئت أن تحجّ وان شئت لم تحجّ ) .

____________________

(1) تذكرة الخواصّ.