يُضاف الى كل ذلك أن الهداية الإلهية للناس تكون بواسطة هداة من أنفسهم مرتبطين به تبارك وتعالى يتلقون منه الهداية وينقلونها الى عباده، وهؤلاء هم المهتدون بأنفسهم منه تبارك وتعالى دونما واسطة كما تقدم في تفسير آية سورة يونس وهم الذين يهدون بأمره تعالى. وهم الأئمة المنصوبون للهداية بأمره تعالى كما تقدم حيث لم يرد في القرآن الكريم وصف الهداية بأمره إلاّ في موردين اقترن فيهما بوصفي «الأئمة» وإختيارهم لذلك من قبل الله تعالى، والموردان هما آية سورة الأنبياء المتقدمة وآية سورة السجدة:( وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا ) (١)
وتكون النتيجة المتحصلة من التدبر في الآية الكريمة مورد البحث هي حتمية وجود إمام هاد الى الله بأمره تبارك وتعالى منصوب لذلك من قبله عزّ وجلّ في كل عصر فلا تخلو الأرض منه سواء أكان نبيّاً أو غير نبي.
وحيث إن مثل هذا الشخص غير ظاهر في عصرنا الحاضر; إذ لا يوجد بين المسلمين ـ من أي فرقة كانت ـ مَن يقول بوجود إمام ظاهر هاد بأمر الله منصوب من قبله تعالى ورد النص عليه ممّن قوله حجة إلهية كما تقدم في البحث عن آية سورة الإسراء; لذا فلا مناص من القول بغيبته واستتاره، وقيامه بمهام الإمامة والهداية مستتراً بأستار الغيبة، فيكون الانتفاع به مثل الانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب كما ورد في الأحاديث الشريفة(٢) . وهذا ما تقول به مدرسة أهل البيتعليهمالسلام في الامام المهدي وغيبته.
الفصل الرابع: المهدي الموعود وغيبته في المتفق عليه من السُنّة
الى جانب الآيات الكريمة المتقدمة توجد بين أيدينا الكثير من الأحاديث الشريفة التي صحت روايتها عند أهل السنة والشيعة عن سيد المرسلينصلىاللهعليهوآلهوسلم بطرق كثيرة، تؤكد دلالات الطائفة المتقدمة من الآيات الكريمة وتفصل مجملاتها وتكمل الصورة التي ترسمها فيما يرتبط بالدلالة على وجود الإمام المهدي الموعودعليهالسلام بالفعل وغيبته وتصرح بالمصداق الذي دلت عليه الآيات الكريمة بذكر صفاته العامة.
ـــــــــــ
(١) السجدة (٣٢): ٢٤ .
(٢) راجع الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المروي في كمال الدين: ١ / ٢٥٣ وكفاية الأثر : ٥٣ وغيرهما .