ولم يزدهم ذلك إلاّ علوّا واستكباراً فقالوا:يا محمد، لا يغرّنك مَن لقيت، إنّك قهرت أقواماً وإنّا والله أصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن إنّك لم تقاتل مثلنا (١) .
وتجلّت خسّة اليهود حين أساؤوا إلى امرأة من المسلمين ونالوا من كرامتها وانتهى الأمر إلى قتل يهودي ومسلم فعندها سار النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بالمسلمين فحاصر يهود بني قينقاع في دورهم خمسة عشر يوماً متتابعة لا يخرج منهم أحد ولا يدخل عليهم أحد، فلم يبق لهم إلاّ الاستسلام والنزول على حكم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بجلائهم عن المدينة تاركين عدّتهم وأدواتهم، فخلت المدينة من أهم عناصر الشر وساد الهدوء السياسي فيها إذ تضاءل تواجد ودور غير المسلمين في المدينة، بعد أن لمسوا قوة المسلمين وتطوّر التنظيم الإداري وازدياد قوّة القيادة والدولة الإسلامية التي كانت تعمل وفق مخطط حكيم.
جمع أبو سفيان عدداً من فرسان قريش وقادهم نحو المدينة تدفعهم نواياهم الغادرة إلى الفتك بالمسلمين وردّ اعتبار قريش المفقود في بدر. وعلى مقربة من المدينة عاثوا في الأرض فساداً وكرّوا فارّين خوفاً من أن تنالهم سيوف المسلمين.
وخفّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمون في أثر المشركين يدفعهم ولاؤهم لدينهم تأكيداً منهم على الدفاع عن سيادة الدولة الفتية وحفظها من أيادي السوء...
وقد اتخذ المشركون كل ما يعينهم على الهرب فألقوا ما معهم من (سويق) وهو مؤونتهم، والتقطه المسلمون من خلفهم وسميت الغزوة بذلك غزوة السويق وكان هذا خزياً آخر لحق قريشاً. وتأكيداً للقبائل التي تطاير الخبر إليها أنّ وجود الإسلام كقوة منظمة قد أصبح واقعاً مفروضاً .
ــــــــــــ
(١) المغازي: ١ / ١٧٦.