برحمته الفياضة وبطيب قلبه المفعم حباً للإنسانية وقف النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم وقال لقريش:(يا من حضر إشهدوا أن زيداً هذا ابني) (١) . وانتقل زيد من رقّ العبودية إلى بنوة أكرم خلق الله وآمن زيد بالنبي المرسلصلىاللهعليهوآلهوسلم من أول أيام البعثة المباركة إيماناً صادقاً. ومضت الأيام حتى بلغ زيد مرحلة الرجولة في ظل رعاية النبي الأكرمصلىاللهعليهوآلهوسلم وبجرأة الثائر العظيم والمصلح الكبير اختار النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم زينب بنت جحش (ابنة عمته) زوجاً لزيد، فامتنعت أن تتنازل عن مكانتها الاجتماعية ونسبها الرفيع لتتزوج رجلاً سبق له أن كان رقّاً. ولكن إيمانها الصادق دفعها لتستجيب لأمر الله تعالى حيث يقول:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٢) .
وبذلك ضرب الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم مثالاً رائعاً للقضاء على الأعراف الجاهلية البالية تطبيقاً لقيم الرسالة الخالدة. ولكن تفاوت الثقافة وتنافر الطباع حالا دون نجاح تجربة رائدة في مجتمع كان لا يزال يعاني من ترسّبات الجاهلية وتدخل النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ليصلح ما فسد محاولاً أن لا يصل إلى طريق مسدود فقال لزيد:(أمسك عليك زوجك واتق الله) وتكررت شكوى زيد من زينب فكان آخرها الطلاق.
ثم نزل الأمر الإلهي ليبطل ما تعارف عليه العرب من اعتبار الأدعياء (من ادعي بنوّتهم) أبناءً فقال تعالى: ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ
ــــــــــــ
(١) أسد الغابة: ٢ / ٢٣٥، الاستيعاب مادة: زيد.
(٢) الأحزاب (٣٣): ٣٦.