وبهذا أصبحت فدك ملكاً لرسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم خاصة بحكم القرآن لأنها مما لم يوجف عليه بخيل ولا سلاح إذ أعلنت استسلامها للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم من دون تهديد أو قتال. وقد وهب رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فدكاً لابنته فاطمة الزهراءعليهاالسلام (١) .
وبهذا تمّ تطهير أرض الجزيرة العربية من جيوب الخيانة وتخلّصت من فتن اليهود الذين جُرّدوا من أسلحتهم ووضعوا تحت حماية القانون والدولة الإسلامية.
وفي يوم فتح خيبر أقبل جعفر بن أبي طالب من الحبشة، فاستقبله رسول الله وقبّل ما بين عينيه وقال:بأيهما أُسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر (٢) .
انقضت أيام الهدنة والنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمون في عمل دؤوب متواصل لتركيز دعائم الحكم الإسلامي، ولم تحدث تحركات عسكرية مهمة بعد فتح خيبر سوى خروج سرايا تبليغية أو تأديبية لبعض العناصر التي كانت تظهر الشغب.
ومضى عام على صلح الحديبية إلتزم خلاله الطرفان ببنود الاتفاق وحلّ الوقت الذي أصبح النبي والمسلمون في حلٍّ من عهدهم لزيارة بيت الله الحرام، فنادى منادي الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم أن يتجهز المسلمون لأداء عمرة القضاء. وخرج مع النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ألفان من المسلمين لا يحملون سلاحاً إلاّ السيوف في القِرب، وكان من حيطة النبي وحذره من احتمال الغدر أن جهّز مجموعة مسلحة عند (مرّ الظهران) ليكونوا القوّة المستعدة للدفاع عند الطوارئ.
ولما وصل النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ذا الحليفة أحرم هو وأصحابه وساق معه ستين بدنة، وقدّم الخيل أمامه، وكانت نحواً من مائة بقيادة محمد بن مسلمة. وخرج زعماء مكة ومن تبعهم إلى رؤوس الجبال والتلال المجاورة المطلة على مكة زاعمين أنهم لا يريدون النظر إلى وجه النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ولا إلى أصحابه، ولكن جلالة الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم وهيبة منظر المسلمين الذين كانوا قد احتفّوا بالرسول وهم يردّدون التلبية بهرت عيونهم وتركتهم مذهولين ينظرون إلى النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين وهم يؤدون مناسكهم.
ــــــــــــ
(١) مجمع البيان: ٣ / ٤١١، شرح ابن أبي الحديد: ١٦ / ٢٦٨، الدر المنثور: ٤ / ١٧٧.
(٢) الطبقات الكبرى: ٢ / ١٠٨، والسنن الكبرى للبيهقي: ٧ / ١٠١، والسيرة النبوية لابن كثير: ٣ / ٣٩٨.