وتحركت نوازع الحسد والبغض لدى مجموعة من المنافقين فعمدوا إلى بناء مسجد في مقابل مسجد ( قباء ) زاعمين أنّه لذوي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وأسرعوا إلى النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم يطلبون منه أن يصلّي فيه ليضفي الشرعية على عملهم فأخّر الاستجابة لأنه كان على استعداد للخروج إلى تبوك، فلمّا رجع من تبوك نزل الأمر الإلهي بالنهي عن الصلاة في هذا المسجد لأنّه كان عاملاً لتفريق كلمة المسلمين والإضرار بالاُمة، وشتان بين بنيان أسس على التقوى وآخر للإضرار بالمسلمين ومن هنا أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بهدمه وإحراقه (١) .
بدت سيطرة الإسلام على الجزيرة واضحة ولم يكن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ليلجأ إلى القوة والقتال إلاّ بعد إعذار وإنذار، بل وفي أكثر الوقائع كان قتال المسلمين دفاعاً، على أن بعض قوى الشرك لا تعي الحق ولا تهتدي سبيلاً إلاّ بعد عنف وقوة وتهديد ووعيد.
وحين عاد المسلمون إلى عاصمة دولتهم ـ المدينة المنورة ـ سيّر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم عدة سرايا لتطهير البلاد من أماكن الوثنية وأصنام الشرك.
ولقوة المسلمين والانتصارات المتلاحقة بدأت كل قبائل الجزيرة وزعمائها يسمعون بآذان صاغية نداء الإسلام ووضوح أهدافه وهدايته، فأخذت الوفود تقدم إلى المدينة لتعلن إسلامها بين يدي رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لذلك سمي هذا العام بعام الوفود (٢) ـ وكان النبي يستقبلهم ويحسن إليهم ويرسل لهم من يعلمهم فرائض القرآن وشرائع الإسلام.
إسلام قبيلة ثقيف :
أملت ظروف النصر الإلهي على كل عاقل أن يتدبر أمره ويحكّم عقله تجاه الإسلام. وكانت حكمة الرسول بالغة إذ أجّل فتح الطائف يوم امتنعت ثقيف فيها وها هي اليوم ترسل وفدها لتعلن إسلامها بعد أن عاندت وكابرت وقتلت سيداً من سادتها (عروة بن مسعود الثقفي) يوم جاءها مسلماً يدعوها إلى الدين الجديد.
ــــــــــــ
(١) السيرة النبوية: ٢٠ / ٥٣٠، بحار الأنوار: ٢٠ / ٢٥٣.
(٢) السيرة النبوية لابن هشام : ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود .