9%

٤ ـ القرآن الكريم

وانزل الله تعالى على نبيّه حين بعثه بالنبوّة قرآناً عربيّاً مبيّناً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد أعجز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به البلغاء وأخرس الفصحاء وتحدّاهم فيه فلم يستطيعوا معارضته وهم أفصح العرب بل واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة، وقد حوى هذا الكتاب العزيز المنزل من لدن حكيم عليم من أحكام الدين وأخبار الماضين وتهذيب الأخلاق والأمر بالعدل والنهي عن الظلم وتبيان كل شيء ما جعله يختلف عن كل الكتب حتّى المنزّلة منها وهو ما يزال يتلى على كر الدهور ومر الأيام وهو غض طري يحيّر ببيانه العقول ولا تملّه الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده.

وقد كان القرآن الكريم معجزة فيما أبدع من ثورة علمية وثقافية في ظلمات الجاهلية الجهلاء وقد أرسى قواعد نهضته على منهج علمي قويم ، فحثّ على العلم وجعله العامل الأوّل لتسامي الإنسان نحو الكمال اللائق به وحثّ على التفكير والتعقّل والتجربة والبحث عن ظواهر الطبيعة والتعمق فيها لاكتشاف قوانينها وسننها وأوجب تعلّم كل علم تتوقف عليه الحياة الاجتماعية للإنسان واهتم بالعلوم النظرية من كلام وفلسفة وتاريخ وفقه وأخلاق، ونهى عن التقليد واتباع الظن وأرسى قواعد التمسك بالبرهان .

وحثّ القرآن على السعي والجد والتسابق في الخيرات ونهى عن البطالة والكسل ودعا إلى الوحدة ونبذ الفرقة وشجب العنصرية والتعصبات القبلية الجاهلية .

وأقرّ الإسلام العدل كأساس في الخلق والتكوين والتشريع والمسؤولية وفي الجزاء والمكافأة ، وهو أوّل من نادى بحق المساواة بين أبناء الإنسان أمام قانون الله وشريعته وأدان الطبقية والتمييز العنصري وجعل ملاك التفاضل عند الله أمراً معنويّاً هو التقوى والاستباق إلى الخيرات، من دون أن يجعل هذا التفاضل سبباً للتمايز الطبقي بين أبناء المجتمع البشري .

وبالغ الإسلام في حفظ الأمن والمحافظة على الأموال والدماء والأعراض وفرض العقوبات الشديدة على سلب الأمن بعد أن شيّد الأرضية اللازمة لاستقرار الأمن والعدل وجعل العقوبة آخر دواء لعلاج هذه الأمراض الاجتماعية بنحو ينسجم مع الحرية التي شرّعها للإنسان ومن هنا كان القضاء في الشريعة الإسلامية مرتكزاً على إقرار العدل والأمن وإحقاق الحقوق المشروعة مع كل الضمانات اللازمة لذلك .