27%

أبو طالب إلى المسجد الحرام وبيده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو غلام ـ كأنه شمس دجى تجلّت عنها غمامة ـ فدعا الله بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبلت السحاب في السماء وهطل المطر فسالت به الأودية وسرّ الجميع وقد ذكر أبو طالب هذه الكرامة أيضاً عندما تمادت قريش في عدائها للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسالته المباركة فقال:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

تلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل(١)

وكلّ هذا يعرب لنا عن توحيد كفيلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالص وإيمانهما بالله تعالى، ولو لم يكن لهما إلاّ هذان الموقفان لكفاهما فخراً واعتزازاً. وهذا يدل أيضاً على أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نشأ في بيت كانت الديانة السائدة فيه هي الحنيفية وتوحيد الله تعالى.

٦ ـ مع اُمّه آمنة :

لم يتمتع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطول رعاية أُمه الحنون التي عاشت بعد أبيه وهي تنتظر أن يشبَّ يتيم عبد الله ليكون لها سلوةً عن فقد زوجها الحبيب ولكن الموت لم يمهلها طويلاً. فقد روي أن حليمة السعدية جاءت بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهله وقد بلغ خمس سنين. وأرادت أُمه آمنة أن تحمله معها وتزور قبر زوجها العزيز ويزور محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخواله من بني النجار في يثرب فيتعرف في هذه السفرة عليهم ولكن هذه الرحلة لم تترك على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ حزناً آخر حيث فقد أُمه في طريق العودة في منطقة تدعى بالأبواء بعد أن زار الدار التي توفيّ ودفن فيها أبوه، وكأنّ تلاحق الأحزان على قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طفولته كانت خطوات إعداد إلهي لتتكامل نفسه الشريفة.

ــــــــــــ

(١) السيرة الحلبية: ١ / ١٩٠، البداية والنهاية: ٣ / ٥٢، بحار الأنوار: ٨ / ٢.