وواصلت أُم أيمن رحلتها نحو مكة وهي تصطحب النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم لتسلمه إلى جدّه عبد المطلب الذي ازداد تعلّقاً بحفيده محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم (١) .
بلغ محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم في قلب عبد المطلب مكانة لم يبلغها أحد من بنيه وأحفاده وهم سادات بطحاء مكة، فقد روي أن عبد المطلب كان يجلس في فناء الكعبة على بساط كان يُمد له وحوله وجوه قريش وساداتها وأولاده، فإذا وقعت عيناه على حفيده (محمد)صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بأن يفرج له حتى يتقدم نحوه ثمّ يجلسه إلى جنبه على ذلك البساط الخاص به(٢) وهذه العناية من سيد قريش قد عزّزت من مكانة محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم في نفوس قريش إضافة إلى سمو أخلاقه منذ نعومة أظفاره.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى فترة اليتم هذه التي اجتازها النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم تحت رعاية ربه بقوله تعالى:( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ) إن فترة اليتم عادة تصب في صياغة الإنسان وإعداده للنضج والاعتماد على النفس في تحمّل الصعاب والمكاره عند مواجهتها والصبر عليها. وهكذا تولّى الله إعداد نبيّه المختار ليكون قادراً على تحمل مهام المستقبل وحمل الرسالة الكبرى التي كانت تنتظر نضجه وكماله. وقد أشار النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى هذه الحقيقة بقوله:(أدبني ربي فأحسن تأديبي) (٣) .
ولم يمض من عمر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم أكثر من ثمان سنوات حتى مُني بمحنة ثالثة وهي فقد جدّه العظيم (عبد المطلب)، وقد حزن محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لموت جدّه حزناً لا يقل عن حزنه لموت أُمه حتى أنّه بكى بكاء شديداً وهو يتبع نعشه إلى
ــــــــــــ
(١) السيرة الحلبية: ١ / ١٠٥.
(٢) السيرة النبوية: ١ / ١٦٨.
(٣) مجمع البيان : ٥ / ٣٣٣ تفسير مطلع سورة القلم .