عن أنظار قريش فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم(١) خير ملجأ للمسلمين حينئذ.
وحين شاع خبر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية وفي الوقت الذي بلغت فيه الفئة المؤمنة المستوى الروحي الذي يؤهلها لخوض الصراع كان لابد من الانتقال إلى مرحلة الإعلان العام وأول خطواته إنذار الأقربين في مجتمع تسوده الاعتبارات القبلية فمن الأولى إنذارهم قبل إنذار الناس كافة، فكان نزول الأمر الإلهي:( وأنذر عشيرتك الأقربين ) (٢) ; من هنا دعا النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم عشيرته الأقربين وأوضح لهم أمر الرسالة وهدفها ومستقبلها وكان فيهم من يرتجى خيره ويؤمل إيمانه. ولئن نهض أبو لهب معلناً المعاداة والكراهية فقد تبنّى أبو طالبعليهالسلام دعم النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وحماية رسالته.
وقد روي أنّه ما إن نزلت الآية المباركة أمر النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم علياً بإعداد وليمة ثمّ دعا عشيرته وكانوا أربعين رجلاً، وما إن تأهب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم للحديث حتى قاطعه عمه عبد العُزّى ـ المعروف بأبي لهب ـ وحذّره من الاستمرار في التبليغ والإنذار، وحال دون تحقيق هدف الرسول فانفضّ المجلس. ولمّا كان من غد جدّد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمره لعلي ودعوته لعشيرته وبعد أن فرغوا من الطعام بادرهم صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله: (يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله عَزَّ وجَلَّ أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟) فسكتوا جميعاً إلاّ علي بن أبي طالب إذ نهض قائلاً: (أنا يا رسول الله أكون
ــــــــــــ
(١) السيرة الحلبية: ١ / ٢٨٣، اُسد الغابة: ٤ / ٤٤.
(٢) الشعراء (٢٦) : ٢١٤.