لقد أدرك رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بعد عامين من الجهر بالرسالة أن لا قدرة له على حماية المسلمين من العناء الذي يصيبهم من طغاة قريش وزعماء الوثنية.
وحيث اشتدَّ العنف من المشركين وصناديدهم تجاه المستضعفين من المسلمين حثّ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم المسلمين المضطهدين على الهجرة إلى الحبشة ليعطيهم بذلك فترة استراحة واستعادة نشاط ليعودوا ثانية لمواصلة مسيرة الرسالة الإسلامية أو يفتحوا جبهة جديدة للصراع مع قريش بعد أن يحدثوا مركزاً للضغط من خارج الجزيرة على مواقع قريش وعسى الله أن يحدث ـ خلال ذلك ـ أمراً كان مفعولاً إذ أخبرهمصلىاللهعليهوآلهوسلم (أن في الحبشة ملكاً لا يُظلم عنده أحد) فاستجاب المسلمون لذلك وتسلل عدد منهم صوب الساحل فعبروا البحر غير أن قريشاً لاحقتهم ولكن لم يدركهم طلبها وتتابع المهاجرون منفردين أو مع أهليهم، حتى اجتمعوا بأرض الحبشة بضعة وثمانين مهاجراً عدا أبنائهم الصغار وأمَّر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم عليهم جعفر بن أبي طالب(١) .
لقد كان اختيار الحبشة داراً للهجرة خطوة موفقة من خطوات الرسول القيادية نظراً للصفة التي وصف بها ملكها في الحديث المروي عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتيسّر السفر إليها بالسفن، فضلاً عن العلاقات المذهبية الطيبة التي أرادها الإسلام أن تكون بين الإسلام والنصرانية.
وقد أقلق قريشاً أمر الهجرة إلى الحبشة فخشيت العاقبة وساءها أن يأمن حملة الرسالة الإسلامية هناك، فأرسلت عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي وحمّلتهما الهدايا في محاولة منها لإقناع النجاشي بالتخلي عن جوارهم وإعادتهم إليها، واستطاعا أن ينفذا إلى بطارقة الملك وإقناعهم بضرورة مساعدتهم لاسترداد المسلمين، لكن الملك أبى ذلك إلاّ بعد أن يسمع رأي المسلمين في التهمة الموجهة إليهم بأنهم قد ابتدعوا ديناً جديداً لهم.
ــــــــــــ
(١) السيرة النبوية: ١ / ٣٢١، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٢٩، بحار الأنوار: ١٨ / ٤١٢.