ولمّا لم يستجب أبو طالب لقريش، وأصرّ على حماية الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم مهما كان الثمن، كتبت قريش صحيفتها الظالمة(١) بالمقاطعة الشاملة في البيع والشراء والمخالطة والزواج.
ووُقّعت الصحيفة من قبل أربعين زعيماً من زعماء قريش.
وعمد أبو طالب إلى الشِعب مع ابن أخيه وبني هاشم وبني المطلب حيث كان أمرهم واحداً. وقال: نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني المطلب، ودخل الشعب من كان من هؤلاء مؤمناً كان أو كافراً(٢) .
وكان لا يصل إلى المسلمين خلالها شيء إلاّ سرّاً، يحمله إليهم مستخفياً من أراد مساعدتهم من قريش بدافع من عصبية أو نخوة أو عطف.
وبعد أن مضت على المقاطعة ثلاث سنين وقاسى خلالها المسلمون والنبي الأكرمصلىاللهعليهوآلهوسلم آلاماً قاسية من الجوع والعزلة والحرب النفسية، أرسل الله دودة الأرضة على صحيفتهم المعلقة في جوف الكعبة فأكلتها جميعاً غير كلمة (باسمك اللهم).
وأنبأ الله رسولهصلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبر عمه أبا طالب بالأمر فخرج مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المسجد الحرام فاستقبله وجهاء قريش ظناً منهم بأن الاستسلام يقودهم إلى التخلّي عن موقفهم من الرسالة فقال لهم أبو طالب: إن ابن أخي أخبرني بأن الله قد سلّط على صحيفتكم الأرضة فأكلتها غير اسم الله، فإن كان صادقاً نزعتم عن سوء
ــــــــــــ
(١) جاء في أعيان الشيعة ، ان الصحيفة الظالمة كتبت في غرّة محرم من السنة السابعة للبعثة.
(٢) السيرة النبوية: ١ / ٣٥٠، أعيان الشيعة: ١ / ٢٣٥.