الحادثتين في مسيرة الرسالة الإسلامية سمّى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك العام بـ (عام الحزن)، وصرّح قائلاً:(مازالت قريش كاعّة عنّي حتى مات أبو طالب) (١) .
ومن جرأة قريش على النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم عند ذاك أن قام أحدهم ونثر التراب على رأسه الشريف وهو مارّ إلى بيته. فقامت إليه ابنته فاطمة عليهاالسلام لتنفض التراب عنه وهي تبكي فقال لها صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يا بنية لا تبكي فإن الله مانع أباك) (٢) .
وفي هذه الفترة كانت حادثة الإسراء والمعراج تثبيتاً للرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم على طريق المقاومة الطويل، وتكريماً له في أعقاب سنين طويلة من العمل والصمود، وتتويجاً لهذه المصاعب والآلام المريرة مع قوى الشرك والضلالة، رفعه الله إلى قلب السموات، ليريه جوانب من عظمة ملكه الباهرة في الكون الشاسع وليطلعه على أسرار الخليقة ومصير الإنسان الصالح والطالح.
وفي الوقت نفسه كانت بمثابة امتحان لقدرات أصحابه على تصور المدى الذي يكافحون فيه مع رسولهم وقائدهم من أجل إبلاغ الرسالة وبناء الإنسان الصالح، وإبتلاءاً صعباً لأصحاب النفوس الضعيفة.
ولم تستطع قريش المشركة أن تدرك المعاني السامية في أمر الإسراء فما بحدّثهم رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك حتى راحوا يسألون عن الصورة المادية من أمر الإسراء وإمكانية تحققها والأدلة على ذلك ـ فقال بعضهم: والله إن العِير لتطّرد شهراً من مكة إلى الشام مدبرة وشهراً مقبلة، أيذهب محمد ذلك في ليلة واحدة ويرجع؟! ووصف لهم رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم المسجد الأقصى وصفاً دقيقاً، وذكر لهم أنّه مرّ بقافلة وهم يطلبون بعيراً قد ضلّ لهم، وفي رحلهم قعب ماء كان مكشوفاً وقد غطّاه كما كان.
ــــــــــــ
(١) كشف الغمة: ١ / ٦١، مستدرك الحاكم: ٢ / ٦٢٢ ، وكاعّة بمعنى وكعّ عنه: إذ اهابه وجبن عنه.
(٢) السيرة النبوية: ١ / ٤١٦، تاريخ الطبري: ٢ / ٤٢٦.