التشرنق هو الانطواء والاعتزال عن نصرة الحقّ بذريعة الابتعاد عن الفتنة.
كان بداية هذا التشرنق في الأيّام الأُولى للاستعداد لحرب الجمل، عندما بعث أمير المؤمنين كلاً من محمد بن أبي بكر ومحمد بن عوف إلى الكوفة، يستحثان أهلها إلى نصرة الإمام ( عليه السلام )، ويستشيران أبا موسى الأشعري في الخروج، إلاّ أنّ هذا الأخير ونتيجة؛ لانعدام الرؤية الصحيحة سلك سبيلاً جديداً، ولفّ على نفسه غلافاً من الأوهام، ورأى أنّ ذلك فتنةً، ولا ينبغي الخروج حتى تضع الحرب أوزارها أو تجتمع الأمّة بعد شتاتها!
فقال أبو موسى: أمّا سبيل الآخرة فأن تقيموا، وأمّا سبيل الدّنيا فأن تخرجوا(١) ( وتهاوى الناس وأبو موسى يكفّهم ويأمرهم بلزوم البيوت حتى تنجلي الفتنة ويقول: أطيعوني وخلّوا قريشاً إذا أبوا إلاّ الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم، حتى ينجلي الأمر )(٢) .
أوضح الإمام ( عليه السلام ) لأهل الكوفة دوافع هذا الاعتزال وصورته المصنوعة التي تزيّن بها،( وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلا مَغْدىً ) (٣) .
____________________
(١) تاريخ الطبري: ٣/٢٣، تاريخ ابن خلدون: ٢/٦١٣.
(٢) تاريخ ابن خلدون: ٢/٦١٣.
(٣) نهج البلاغة: الخطبة ٣٢.