عند ما جاء المساء (ليلة عاشوراء) أراد الحسين (عليه السّلام) أن يدع أصحابه وأقرباءه على بيّنة من أمرهم قبل بدء المنازلة، وتشابك السيوف، وإطلاق السهام، ورمي الرماح.
لذا فقد جمع (عليه السّلام) أصحابه وأقرباءه، وخطبهم خطبة هامّة ومؤثرة بما ليس لها نظير في مثل تلك الساعات الحاسمة والحرجة والدقيقة من حياة ملحمة كربلاء.
وممّا جاء في خطابه: (( لقد نزل بنا ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت، وأدبر معروفها، ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً.
ألا وإنّي لا أعلم أصحاباً خيراً وأوفى من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ رحماً وأوصل ولا أفضل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً؛ فقد بررتم وأعنتم، وأنّكم لتعلمون أنّ القوم لا يريدون غيري، ولو أصابوني لتركوا طلب غيري، وأنّي لأظنّ أنّ يومنا مع هؤلاء الأعداء غداً، وأنّي قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا في حلٍّ من بيعتي، وفي غير حرج، وليس عليكم منّي ذمام.
وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، فتفرّقوا في سواد هذه الليل حتّى يفرّج الله، وذروني فإنّهم لا يريدون غيري، ولو أصابوني لهو عن طلب غيري، فجزاكم الله جميعاً خيراً )).
ولقد جسّد هذا الموقف الفريد والتاريخي الشاعر السيد الحميري حيث نظم: