الظرف الطبيعي - الاجتماعي
لعلّه من نافلة القول، إنّ دراسة مجتمع من المجتمعات تحتاج إلى نظرة شاملة في غير تعميم مخلّ، وبحث مفصّل في غير إطراد مملّ، واستقصاء وتمحيص بعدينِ عن التحيّز، ثمّ الخلوص بعد ذلك كلّه إلى نتائج محدودة ظاهرة، يتوخّى فيها القُرب من الحقّ والبُعد عن الهوى؛ لتكشف لنا عمّا خفي وراء الأحداث، ولتُعيد بناء العلاقات بينها كما كانت في وقوعها أوّل مرّة، ولكنّها هذه المرّة من خلال منظار يستظهر ما خفي، أو ما حاول البعض إخفاءه، ويكبّر ما صغر أو حاول البعض استصغاره.
وقضيتنا هذه خليقة بهذا الضرب من البحث، لمّا كانت غائرة في عمق التاريخ الإسلامي الحافل بتساؤلات جادّة لمْ يحظَ سائلوها بإجابة بعدُ، كما هي آثارها الممتدّة إلى واقع مجتمعاتنا المعاصرة.
وعلى هذا، فإنّ دقّة البحث وأمانته تقتضي إجالة البصر في كلّ الزوايا ولو كثرت، وحثّ السير في كلّ الدروب ولو تشعّبت، والإمعان في تلمس الأسباب ولو بعدت، كلّ ذلك في غير خشية ملامة في الحقّ، مادام الحقّ رائدها.
والحقّ، أنّ قضيتنا هذه تتخلل جذورها عديداً من الطبقات وإنْ جمعتها تربة واحدة؛ وذلك شأن كلّ قضية تتّصل بسبب باجتماع البشر معاً - فرُغم وحدة الموضوع - إلاّ أنّه ينتظمه العديد من الأنساق التي هي مكونات البنية الاجتماعيّة.