4%

ولمْ يكن الفرق بين الخلافة والملك خافياً على المسلمين. قال عمر ذات يوم لسلمان(١) : أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقلّ أو أكثر، ووضعته في غير حقّه، فأنت ملك غير خليفة.

ويفرّق ابن خلدون بين الخلافة والملك، بقوله(٢) : وكذا الملك لمَا ذمّه الشارع، لمْ يذمّ منه الغلب بالحقّ وقهر الكافة على الدين ومُراعاة المصالح، وإنّما ذمّه لمَا فيه من التغلّب بالباطل وتصريف الآدميين طوع الأغراض والشهوات.

ولمّا أراد معاوية أنْ يجعل الملك في ولده، كتب إلى مروان بن الحكم عامله على المدينة، أنْ يأخذ البيعة ليزيد، فخطب مروان فقال(٣) : إنّ أمير المؤمنين رأى أنْ يستخلف عليكم ولده يزيد سنّة أبي بكر وعمر. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: بل سنّة كسرى وقيصر.

وهكذا فإنّ العهد الذي استهلّه معاوية لمْ يكن عهد خلافة كما وعاه المسلمون، وإنّما عهد مُلك كما لمْ يُعانوه، فما هي سمة هذا الملك؟

مؤشرات النظام الاستبدادي

هناك في الواقع عدّة مؤشرات يُمكن التعويل عليها في كشف طبيعة

____________________

= فلو كانت حجّة معاوية سائغة أولى بها رأس الدولة، وهو يستقبل رُسل الجبابرة. ولكن الأغرب من ذلك، هو قبول عمر لحجّة معاوية وتثبيته على الشام! وهذا وذاك من عوامل بذر الازدواجيّة في شخصية المسلم.

(١) ابن الأثير، الكامل، مرجع سابق ٢ : ٤٥٥.

(٢) المقدّمة، مرجع سابق ١ : ١٦٩.

(٣) السيوطي، تاريخ الخلفاء، مرجع سابق : ١٩٦.