4%

ب - الرقابة على السلطة، والموقف من المعارضة:

ما ابتلي نظام قط بسبب مدمّر على مهل بمثل ما ابتلي باستبداد الرأي؛ ذلك أنّه كالسوس ينخر في العظام حتّى تستحيل فتاتاً. وما أسوأ العاقبة على النظام ذاته، فضلاً عن غيره. ومهما كان النظام متّسعاً كنظام الدولة أو مقتصراً على حياة فرد واحد فالعاقبة سواء، مثله في ذلك كمثل مَن يسدّ على نفسه نافذته لتيار الهواء الصحّي في غرفة محكمة، فلا يكون تنفّسه إلاّ خصماً من نقاء هواء الغرفة، فلا تجديد ولا تغيير حتّى تضيق عليه أنفاسه، فيسقط في النهاية مختنقاً.

صدق ذلك في كلّ الأحوال، وأينما كان المكان وفي جميع الأزمان؛ ذلك أنّ العلاقة الأساسيّة للحياة هي علاقة تواصل وحوار بما يعنيه من أخذ وعطاء وتبادل وتشابك مع الأغيار، فإذا انعدم الأغيار انقطع الحوار، وبذا يسقط شرط استمرار علاقة الحياة.

ألمْ ترَ إلى الجسد الإنساني يشترط لاكتسابه المناعة وجود آليّة لتوليد أجسام مضادّة لمسبّبات الأمراض التي يحفل بها الجسد ذاته، إضافة إلى البيئة المحيطة، فكذلك كلّ نظام، ولا سيّما النظام السياسي الذي يكتسب حيويّته، ويحافظ على بقائه إنْ توفّرت شروط مناعته بوجود الرأي الآخر الذي يُراجع قراراته، فيمضي منها الصالح ويعيق السيء، وينبّه إلى مواطن الزلل، ويكشف عن مواقع الخلل، ويستشف مظان الخطر، ويُساند ويحشد في الملمّات، ويقترح الحلول في المعضلات.

ولهذا كان أتعس نظام الذي يقف موقف العداء الجهول من الآراء الناقدة، فيعمل على وأدها بدل الاسترشاد بها، فيضرّ نفسه من حيث أراد نفعها.