نسق القرابة
الواقع إنّ دراسة المجتمعات التقليديّة ومنها المجتمع القبلي - الذي هو محلّ دراستنا الآن - يحتاج إلى وقفة متأنّية كلّ الأناة لتناوله؛ ذلك أنّ علاقات القرابة فيه تتشج بغيرها من علاقات البِناء الاجتماعي بوشائج شتّى حتّى يكاد يكون من المستحيل فهم الأخيرة دون الرجوع إلى الأولى. ومجتمعنا هذا بدوي وما كان منه من الحواضر، فإنّ أصله بدوي أو كما يقول ابن خلدون: البدو أصل للحضر ومتقدّم عليه(١) .
ومثل هذه المجتمعات تشترك - وإنْ اختلفت في بعض تفاصيلها - في خصيصة واحدة تتمثّل في كونها تقع ضمن نظام متماثل في التناسل وطبقاته وتعاقب الأنساب فيه، وذلك هو النظام الذي تُطلق عليه البحوث الأنثربولوجية اسم ( نسق البدنة الانقساميّة -segmentary lineage system )(٢) بمعنى: الجماعة القرابيّة الكبيرة المعقّدة التي لا تزال تنقسم إلى وحدات أصغر فأصغر.
ونحن إذا حاولنا تتبّع أصل العرب في تسلسلهم، وجدنا أنّ أغلب الآراء فيه ظنّيّة؛ لقلّة الشواهد التاريخيّة والآثار المادية التي وصلت إلى أيدي الباحثين المحدثين، كما أنّ الأقدمين اعتمدوا في تأريخهم على ما نما إلى عملهم من روايات شفهيّة وبعض المدوّنات القليلة، كأسفار التوراة.
يزعم المؤرّخون(٣) أنّ العرب ينتمون إلى خليط من جنسين، هُما: الجنس
____________________
(١) ابن خلدون، التاريخ ١ : ١٠٣ - بيروت - مؤسّسة جمال.
(٢) د. أحمد أبو زيد، المرجع السابق : ٣٢٣.
(٣) كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلاميّة ١١ : ١٥، تعريب نبيه أمين ومنير البعلبكي - بيروت - دار العلم للملايين : ١٩٨٨ م.