خلصنا ممّا سبق إلى سيادة وضعية مستحدثة سمتها الأساسيّة الانفصال والتجاوز التناقضي، وقد حدث ذلك على مستويين:
المستوى الأوّل: وهو المستوى الحادّ والجريء كلّ الجرأة، أعني الانقلاب الأساس على يد عُمر بإهدار النصّ.
المستوى الثاني: وهو تمذهب أو أدلجة النصوص، بإسقاط الحاجات النفعيّة عليها، وليها لتحميلها ما لا تحتمل عبر آليات التأويل - التبرير -.
والمستوى الثاني في الواقع، ما كان يُمكن له أنْ يُوجد لولا الانقلاب الأوّل الذي أفسح له الطريق واسعاً، ممّا أباح لكلّ امرئ أنْ يضمّن أهواءه ورغباته نصّاً، بل صار النصّ الواحد مستنداً للرغبات على اختلافها، ممّا أفقد المرجعيّة المعياريّة مضمونها، فانعكس ذلك في بينات سياسيّة واقتصادية واجتماعية مفارقة كلّ المفارقة لبنية كلّية إسلاميّة رشيدة.
أدّى ذلك الخلط - ضمن ما أدّى - إلى فتح مداخل الطعن واسعاً على البنيّة الأساسيّة، باعتبار أنّ سلطة السلف تمثّل مرجعاً شرعيّاً. وبذلك ساعد فقهاء التراث الطاعنين على الدين في طعنهم، لمّا اعتبروا مصادر التشريع تتضمّن مذهب الصحابي وفتواه، وممارسات السلطة في عهدها الأوّل بعد الرسولصلىاللهعليهوآله .
يقول الجابري(١) : بما أنّ التنافس كان على مدوّنة من الألفاظ محصورة محدودة - القرآن والحديث - وبما أنّ كلّ صاحب مقالة وصاحب مذهب كان يطلب المصداقيّة والمشروعيّة لآرائه ومذهبه بجعلها مضمنة في الألفاظ والعبارات نفسها، فإنّ
____________________
(١) بنية العقل العربي، مرجع سابق : ٥٦٢.