4%

الخُطّة والواقع

تزخر كتب التاريخ بالأحداث التي يُمكن إيرادها للتدليل على صحّة افتراضنا السابق، ولكنّنا نتخيّر منها بعضها ذا الدلالة المباشرة على تكوين الحزب، وأهدافه وطبيعة نشاطه على مدى طويل. وإيرادنا لهذه الأحداث على هذا النحو، لا يعني بحال اتّباعنا لمنهج انتقائي متعسّف - كما قد يظنّ البعض - لإثبات صحّة الفرض، وإنّما يحكم هذا الاختيار عدّة اعتبارات تتّصل بطبيعة الأحداث ذاتها، ومدى أهميّتها على المسار العام لحركة التاريخ، ثمّ الأطوار المختلفة التي مرّ بها الحزب، ثمّ طبيعة العلاقات والارتباطات بين هذه الأحداث وغيرها، ممّا يمكّن في النهاية من رصد العلاقات الأساسيّة بين هذه الأحداث مجتمعة.

وربما كان عاصماً لنا من احتمال الزلل إلى الاجتزاء المتعسّف مناقشة الآراء المختلفة - المؤيّدة والمُعارضة - المرتبطة بهذه الأحداث جُملةً وتفصيلاً، وإيراد حجج كلّ بما يضمن نظرة كلّية إلى الموضوع بكامله.

وأوّل ما ينبغي إمعان النظر فيه، خبر تقصّه كتب السير وتقف به على مفتاح لباب رئيسي لهذا الأمر، وسرّ العداء المُستحكم لهذا الدين الجديد، وذاك هو طلب السلطة والرياسة بما يشمله من تحكم في المقدّرات العامّة.

يقول الخبر(١) : إنّ أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلةً ليسمعوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يُصلّي بالليل في بيته، فأخذ كلّ رجل منهم مجلساً ليستمع منه، وكلّ لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتّى إذا

____________________

(١) ابن كثير، البداية والنهاية، المرجع السابق ٣ : ٦٢.