وسوء حال العيال من الأرامل واليتامى والأطفال، هجم الحسينعليهالسلام على أعدائه المتجمّعين آلافاً متراصّةً فشتّتهم، وكرّ عليهم فكشفهم مرّات، وسيفه المنتضى يقرأ على مسامع الأوباش خطب العزّة والكرامة والإباء، والشجاعة والصبر والفداء.
طمِعت أن تسومه القوم ضيم | وأبى الله والحسامُ الصنيعُ | |
كيف يلوي على الدنيّة جِيد | لِسوى الله ما لواه الخضوعُ | |
ولديه جأشٌ أردُّ من الدرْ | ع لظمأى القنا وهُنَّ شروعُ | |
وبه يرجع الحفاظ لصدرٍ | ضاقت الأرضُ وهي فيه تضيعُ | |
فأبى أن يعيش إلاّ عزيز | أو تجلَّى الكفاحُ وهو صريعُ | |
فتلقّى الجموع فرداً ولكن | كلُّ عضوٍ في الرَّوع منه جُموعُ | |
رمحُه مِن بَنانهِ وكأنْ مِن | عزمهِ حدُّ سيفه مطبوعُ | |
زوّجَ السيفَ بالنفوس ولكن | مهرُها الموت والخضابُ النجيعُ | |
بأبي كالئاً على الطفّ خدر | هو في شفرة الحسام منيعُ(1) |
فأيُّ صبرٍ هذا في موقف كذاك!
إنَّ أشدَّ الشجعان صبراً لا يقْدم على ساحةٍ يتأكّد أنّه مقتول عليها، إنّما يخطو إلى معركةٍ يتفاءل فيها بالنصر أو يحتمله ولو قليلاً على أقلّ الفروض. أمّا أن يقْدم مبارزٌ على معركةٍ لا يتفاءل بها إلاّ بالشهادة، ولا يرى إلاّ أنّه مقتول هو وأهل بيته، ثمّ يخطو بحزم، ويتقدّم بعزم، فذلك هو الصبر في أعلى درجاته.
____________________
(1) الدرّ النضيد / 212 - 213، والقصيدة للسيّد حيدر الحلّيّ.