تاريخيّاً في تمكُّن المسلمين من كلِّ ذلك.
هـ - ولا بُدّ أن نعترف بوجود عنصر الإخلاص للقرآن الكريم وأهدافه، إذ لا يمكن أن نجد من يشك في توفّر ذلك لدى النبي (صلّى الله عليه وآله) مهما بلغ ذلك الشخص من التطرّف في الشك والتفكير؛ لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) حتّى على أسوأ التقادير والفروض التي يفرضها الكافرون برسالته والمنكرون لنبوّته، لا يمكن إلاّ أن يكون مخلصاً للقرآن الكريم؛ لأنّه يؤمن بأنّ القرآن معجزته وبرهان دعوته الذي به تحدّى المشركين وهو على هذا الإيمان بالقرآن لا بُدّ وأن يحرص على حفظه وصيانته، ويكون مخلصاً في ذلك أبعد الإخلاص.
وهذه العناصر الخمسة:
(أهمّيّة القرآن الكريم، والخطر في تعرّضه للتحريف بدون التدوين وإدراك النبي (صلّى الله عليه وآله) لهذا الخطر، ووجود إمكانات التدوين، وحرص النبي (صلّى الله عليه وآله) على القرآن والإخلاص له) هي التي تكوِّن اليقين بأنّ القرآن الكريم قد تمّ جمعه وتدوينه في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّ أهميّة القرآن، الذاتية، مع وجود الخطر عليه، والشعور بهذا الخطر، وتوفّر أدوات التدوين والكتابة، ثمّ الإخلاص للقرآن حين تجتمع لا يبقى مجال للشك بتدوين القرآن في عهد رسول الله وكتابته في زمانه.
وليس عندنا في مقابل دلالة طبيعة الأشياء على هذه الحقيقة، غير الروايات التي جاءت تذكِّر أنّ القرآن الكريم قد جُمع في عهد أبي بكر، حيث جمع القرآن من العسب والرقاق واللخاف ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان على أنّه من القرآن، كما جاء ذلك في قصّة جمع القرآن المرويّة عن زيد بن ثابت (1) أو غيرها من النصوص التي تتحدّث عن هذا الأمر بطريقة أُخرى.
________________________
(1) البخاري، باب جمع القرآن 6: 89.