3%

سبيل ذلك بوسائل وحُجج أُخرى ليست من الوضوح بهذا القَدْر.

رابعاً:

إنّ الخليفة عثمان لو كان قد ارتكب مثل هذا العمل لكان موقف الإمام علي (عليه السلام) تجاهه واضحاً، ولأصرّ على إرجاع الحقّ إلى نصابه في هذا الشأن؛ فنحن حين نجد الإمام عليّاً (عليه السلام) يأبى إلاّ أن يُرجع الأموال التي أعطاها عثمان إلى بعض أقربائه وخاصّته ويقول بشأن ذلك:

(والله لو وجدتّه قد تزوّج به النساء، وملك به الإماء، لرددته؛ فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق) (1) .

وكذلك نجد منه نفس الموقف الحازم مع ولاة عثمان المنحرفين، فلا بُدّ أن نجزم باستحالة سكوته عن مثل هذا الأمر العظيم على فرض وقوعه.

ومن هذه المناقشة التفصيليّة للحالات الثلاث السابقة يتّضح موقفنا من الحالة الرابعة؛ فإنّ الحجّاج بن يوسف الثقفي أو غيره من الولاة لا يمكن أن نتصوّر فيهم القدرة على تحريف القرآن الكريم بعد أن عمَّ شرق الأرض وغربها.

كما لا نجد المسوِّغ الذي يدعو الحجّاج أو الأُمويّين إلى مثل هذا العمل الذي يحمل في طيّاته الخطر العظيم على مصالحهم ويقضي على آمالهم.

جَمْعُ القرآن على عَهْد النبيّ (صلّى الله عليه وآله):

جمع القرآن له معنيان:

أحدهما:

حفظه في الصدور على سبيل الاستيعاب لجميع آياته، ومنها قولنا جمّاع القرآن أي حفّاظه.

والمعنى الآخر لجمعه:

كتابته وتسجيله في أوراق بشكلٍ كامل.

فأمّا جَمْع القرآن بمعنى حفظه في القلب واستظهاره فقد أُوتيه رسول الله قبل الجميع، فكان (صلّى الله عليه وآله) سيّد الحفّاظ وأوّل الجُمّاع كما كان يُرغِّب المسلمين باستمرار في

________________________

(1) شرح نهج البلاغة 1: 269 فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان.