لقد أثار أعداء الإسلام من جاهليّين قُدامى ومستشرقين جدد الشبهات الكثيرة حول الوحي القرآني، وكانت تستهدف هذه الشبهات في الغالب تأكيد أنّ الوحي القرآني ليس مرتبطاً بالسماء وإنّما هو نابعٌ من ذات محمّدٍ الإنسان (صلّى الله عليه وآله).
وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض هذه الشبهات في مواضع مختلفة (1) ، وردّد بعض المستشرقين هذه الشبهات وغيرها وحاول إضفاء طابع البحث والدراسة وسمات الموضوعيّة عليها، كما هي الطريقة المضلِّلة المتّبعة لديهم في مثل هذه الحالات.
ويحسن بنا أن نكوِّن فكرةً واضحة عن الوحي الذي نحن بصدد بحث الشبهة حوله ومناقشتها تمهيداً للدخول في صلب الموضوع.
الوحي لغةً:
هو الإعلام في خفاء (2) ، ولكن ما هو الوحي الإلهي الذي اختصّ به الله سبحانه النبيّين من عباده، وتجلّى بشكلٍ واضح في القرآن الكريم؟
وبصدد الإجابة عن هذا السؤال يمكن أن نقول:
إنّ كلّ فكرةٍ يدركها الإنسان فهي ترتبط في وجودها - بسببٍ أو بآخر - بالله سبحانه وتعالى خالق الإنسان ومدبِّر أُموره؛ لأنّ الله تعالى هو مسبّب الأسباب، ولذا تُنسب إليه الأشياء في القرآن الكريم.
ولكنّ شعور الإنسان تجاه مصدر هذه الفكرة - بالرّغم من إدراكه العقلي لهذه الحقيقة - قد يكون مختلفاً، ونذكر أنحاءً ثلاثة لهذا الشعور:
أ - أن يشعر بأنّ الفكرة نابعةٌ من ذاته ووليدة جهده الخاص وإدراكه الشخصي.
________________________
(1) منها : الأنبياء: 21، والدخان: 14، والفرقان: 5 والنحل: 103، وغيرها.
(2) لسان العرب 15: 381 مادّة (وحي).