3%

الوضعيّة، ذلك أنّ النّسْخ في التشريع الإلهي لا يكون إلاّ بعد علمٍ مسبقٍ بوقوعه في ظروفه المعيّنة وفي وقته المحدّد، بخلاف النّسْخ في التشريع الوضعي، حيث يكشف في أكثر الأحيان عن جهلٍ بالواقع الموضوعي الذي وُضع التشريع لمعالجته، وعندما ينكشف تخلّف التشريع عن تحقيق غاياته، يُنسخ بتشريعٍ آخر في سبيل محاولة لتحقيق تلك الغايات والأهداف.

نعم في القوانين الوضعيّة قد يُوضع القانون منذ البداية بشكلٍ مؤقّت، ثمّ يُنسخ عند انتهاء وقته كما في الدساتير المؤقّتة عند حصول تغييرات أساسيّة في المجتمع، وهذا النوع يشبه إلى حدٍّ كبير النّسْخ في الشريعة الإلهيّة، حيث يكون الحكم المنسوخ فيها منذ البداية مؤقّتاً في الواقع.

النّسْخ لغةً واصطلاحاً:

أ - اللُّغة:

للنّسْخ معانٍ متعدّدةٍ ذُكرت في كتب اللُّغة وهي تدور بين (النقل) و(الإزالة) و(الإبطال).

فتقول: (نسخ زيد الكتاب إذا نقله عن معارضه).

ونسخ النحل إذا نقله من خليّةٍ إلى أُخرى، وتقول: نسخ الشيب شبابه، إذا أزاله وحلّ محلّه.

وتقول: نسخت الريح آثار القوم، إذا أبطلتها وعفت عليها (1) .

واللُّغويون حين يذكرون هذه المعاني المتعدّدة يختلفون في أيّ واحدٍ منها هو المعنى الحقيقي للكلمة، أو أنّها بأجمعها معانٍ حقيقية؟

وتمييز المعنى الحقيقي للكلمة عن المعنى المجازي ليس في الواقع من الأهمّيّة بقدْر تحديد المعنى اللُّغوي الذي ينسجم مع فكرة النّسْخ ذاتها، وبهذا الصدد نجد أنّ الإزالة هي أوفق المعاني اللُّغوية انسجاماً مع الفكرة التي عرضناها عن النّسْخ، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ فكرة النّسْخ في القرآن الكريم ورد التعبير عنها بمواد

________________________

(1) راجع بذا الصدد لسان العرب 4: 28 ط، بولاق.