وقد يُعتبر بما هو كلام مقروء، فيكون موضوعاً لعلم القراءة، وهو: علم يبحث في ضبط حروف الكلمات القرآنية وحركاتها، وطريقة قراءتها إلى غير ذلك من البحوث التي تتعلق بالقرآن.
و(علوم القرآن) جميعاً تلتقي وتشترك في اتخاذها القرآن موضوعاً لدراستها، وتختلف في الناحية الملحوظة فيها من القرآن الكريم.
كان الناس على عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) يسّمعون إلى القرآن، ويفهمونه بذوقهم العربيّ الخالص، ويرجعون إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) في توضيح ما يشكل عليهم فهمه، أو ما يحتاجون فيه إلى شيءٍ من التفصيل والتوسّع.
فكانت علوم القرآن تُؤخذ وتُروى عادةً بالتّلقين والمشافهة، حتّى مضت سنون على وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتوسّعت الفتوحات الإسلامية، وبدرت بوادر تدعو إلى الخوف على علوم القرآن، والشعور بعدم كفاية التّلقّي عن طريق التّلقين والمشافهة، نظراً إلى بُعد العهد بالنبي نسبيّاً، واختلاط العرب بشعوبٍ أُخرى، لها لغاتها وطريقتها في التكلّم والتفكير، فبدأت لأجل ذلك حركة، في صفوف المسلمين الواعين لضبط علوم القرآن، ووضع الضمانات اللاّزمة لوقايته وصيانته من التحريف.
وقد سبق الإمام علي (عليه السلام) غيرَه في الإحساس بضرورة اتخاذ هذه الضمانات، فانصرف عُقيب وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) مباشرةً إلى جمع القرآن.
ففي (الفهرست) لابن النديم (1) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) حين رأى من الناس عند وفاة النبي ما رأى، أقسم أنّه لا يضع عن عاتقه رداءه حتّى يجمع القرآن، فجلس في بيته
________________________
(1) كتاب الفهرست لابن النديم: 30 بتصرّف، طبعة طهران.