حكمٌ ثابتٌ في القرآن الكريم منسوخ بشيءٍ من القرآن ولا بغيره.
ونحن وإن كنّا نختلف مع أُستاذنا السيّد الخوئي (رحمه الله) في بعض الجوانب التي جاءت في مناقشته هذه، وقد نختلف معه من ثمَّ في شمول مبدئه للآيات القرآنية كلّها، ولكنّنا سوف نقتصر في دراستنا هذه على مناقشة بعض الآيات بالطريقة التي سار عليها تقريباً.
الآية الأُولى:
قوله تعالى:
( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (1) .
وقد روى جماعةٌ من الصحابة والتابعين وغيرهم (2) القول بأنّها آيةٌ منسوخة بآية السيف وهي قوله تعالى:
( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (3) .
فإنّ الآية الأُولى تأمر بالعفو والصفح عن أهل الكتاب، مع أنّهم يودّون من صميم قلوبهم أن يردّوا المؤمنين كفاراً، والآية الثانية تأمر بقتال أهل الكتاب حتّى يُعطوا الجِزْية عن يدٍ وهم صاغرون، ولمّا كانت الآية الثانية متأخِّرةً عن الآية الأُولى كان الالتزام بنَسْخ آية السيف لآية سورة البقرة أمراً لا مناص منه.
________________________
(1) البقرة: 109.
(2) تفسير مجمع البيان 1: 185.
(3) التوبة: 29.