ثلاثة أيّام، حتّى جمع القرآن، وسيأتي البحث عن ذلك في البحث عن جمع القرآن.
وما نقصده الآن من ذلك، أنّ الخوف على سلامة القرآن، والتفكير في وضع الضمانات اللاّزمة، بدأ في ذهن الواعين من المسلمين، عُقيب وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأدّى إلى القيام بمختلف النشاطات، وكان من نتيجة ذلك (علوم القرآن)، وما استلزمته من بحوثٍ وأعمال.
وهكذا كانت بدايات علوم القرآن، وأُسسها الأُولى على يد الصحابة والطليعة من المسلمين في الصدر الأوّل، الذين أدركوا النتائج المترتّبة للبُعد الزمني عن عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) والاختلاط مع مختلف الشعوب.
فأساس علم إعراب القرآن وُضِع تحت إشراف الإمام علي (عليه السلام)، إذ أمر بذلك أبا الأسود الدؤلي وتلميذه يحيى بن يعمر العدواني، رائدي هذا العلم والواضعين لأساسه؛ فإنّ أبا الأسود هو: أوّل من وضع نقط المصحف.
وتُروى قصّة في هذا الموضوع، تُشير إلى شدّة غيرته، على لغة القرآن، فقد سمع قارئاً يقرأ قوله تعالى:
( ... أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ... ) بجر اللاّم من كلمة (رسوله) فأفزع هذا اللّحن أبا الأسود الدؤلي، وقال:
عزَّ وجه الله أن يبرأ من رسوله، فعزم على وضع علامات معينّة تصون الناس في قراءتهم من الخطأ، وانتهى به اجتهاده إلى أن جعل علامة الفتحة نقطةً فوق الحرف، وجعل علامة الكسرة نقطةً أسفله، وجعل علامة الضمة نقطةً بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين (1) .
وقد ورد الحثُّ الشديد في الكتاب العزيز، والسنّة الصحيحة على تدارس القرآن والتدبّر في معانيه، والتفكّر في مقاصده وأهدافه.
________________________
(1) سِيَر أعلام النبلاء 4: 81 - 83 للذهبي.