وهو بهذا الوصف ميسّر الفهم، سهلٌ على الناس استخراج معانيه، وإنّما الصعوبة في تحديد الصور الواقعية لمعانيه ومفاهيمه.
فكلّ الآيات التي استعرضت تلك الموضوعات التي أشرنا إليها في الحقيقة الثانية تُعتبر مفهومةً من ناحيةٍ لُغويّة، ولا صعوبة في التفسير اللّفظي لها، وإنّما الصعوبة تكمن في تفسير معنى اللّفظ لا في تفسير اللّفظ نفسه؛ لأنّ تلك الموضوعات ترتبط بعوالم أرقى من عالم الحس الذي يعيشه الإنسان، فيكون من الطبيعي أن يواجه الإنسان صعوباتٍ كبيرةً إذا حاول تحديد المعنى في مصداقٍ معيّن، وتجسيد المفهوم في الذهن ضمن واقعٍ خاص.
وقد يُتساءل هنا عن الضرورة التي دعت القرآن الكريم إلى أن يتعرّض لمثل هذه المعاني التي يستعصي تفسيرها على الذهن البشري، فيخلق بذلك صعوبات ومشاكل هو في غنىً عنها.
ولكنّ الواقع أنّ القرآن الكريم لم يكن بإمكانه أن يتفادى هذه الصعوبات والمشاكل؛ لأنّ القرآن بوصفه كتاب دين يستهدف بصورةٍ رئيسةٍ ربط البشرية بعالم الغيب، وتنمية غريزة الإيمان بالغيب فيها، أو تقريب صورته إلى الذهن الإنساني المادّي (1) ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ عن طريق تلك الموضوعات التي تنبّه الإنسان إلى صلته بعالمٍ أكبر من العالم المنظور، وإن كان غير قادر على الإحاطة بجميع أسراره وخصوصيّاته.
وعلى ضوء الاتجاه الصحيح نعرف: أنّ التفسير معنىً (إضافي)؛ لأنّ التفسير بيان المعنى وإيضاحه حتّى في مورد ظهور اللّفظ.
والمعنى الواحد قد يكون بحاجةٍ إلى البيان والكشف بالنسبة إلى شخص، ولا يحتاج إلى بيانٍ وكشفٍ عندما نضيفه
________________________
(1) هناك المزيد من التوضيح لهذه الفكرة في بحث المُحْكَم والمُتشابِه.