ومن خلال هذا الفهم للتفسير والخلفية الذهنية التي يجب أن يتمتّع بها المفسِّر، يمكن أن نميّز بين التفسير الصحيح، الذي يعتمد على القرآن الكريم والسنّة النبويّة، والذي يمكن أن نسمّيه عملية (التدبّر)، وبين التفسير الباطل الذي يُطلق عليه اسم التفسير بالرأي.
وهذا الموضوع من القضايا ذات البُعد التاريخي، الذي يرجع إلى عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ فقد ورد عنه (صلّى الله عليه وآله) النهي عن التفسير بالرأي، فعنه (صلّى الله عليه وآله):
(من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار) (1) .
ولعلّ الآية الكريمة:
( ... فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ... ) (2) تُشير إلى أحد مصاديق هذا النوع من التفسير أيضاً.
إضافةً إلى عددٍ كبيرٍ من الأحاديث الواردة عن المعصوم (عليه السلام) والمرويّة عن طرق الفريقين، والتي تدل على هذا المعنى (3) .
________________________
(1) أخرجه الترمذي 11: 67 بألفاظ مختلفة عن ابن عبّاس، ورواه الصدوق في الغُنْية في حديثٍ طويلٍ عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بلفظٍ آخر.
وقد أورد الحرُّ العاملي في كتابه المعروف (وسائل الشيعة) مجموعة من الأحاديث في الجزء 18، الباب 13، من أبواب صفات القاضي، منها الحديث القدسي:
(ما آمن بي من فسّر كلامي برأيه) الحديث 28، و(من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب) الحديث 37، و(من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يُؤجر وإن أخطأ فقد خرّ أبعد من السماء) الحديث 66، وأحاديث عديدة أُخرى.
(2) آل عمران: 7.
(3) تناول علماء الأُصول هذا البحث بشكلٍ مفصّلٍ مرتبطاً مع موضوع آخر في بحث (حجّيّة الظاهر).
ولعلّ أفضل من تناول هذا البحث هو أُستاذنا الشهيد الصدر (قُدِّس سرّه) من المتأخّرين، كما جاء في تقريراته التي كتبها الحجّة السيّد محمود الهاشمي (حفظه الله).