11%

التفسير في عصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) *

بالرّغم من أنّ القرآن الكريم تميّز بأُسلوبٍ فريدٍ في اللُّغة العربية، وصل به إلى مستوى الإعجاز ولكنّه جاء أيضاً وفقاً للنظام العام للُّغة العربية، وتطبيقاً لقواعدها ومناهجها في التعبير، ومتّفقاً مع الذوق العربي العام في فنون الحديث، وعلى هذا الأساس كان يحظى بفهمٍ إجماليٍّ من معاصري الوحي - على وجه العموم - ولأجل ذلك كان البيان القرآني يأخذ بأَلبابِ المشركين، ويفتح قلوبهم للنور، وكثيراً ما اتّفق للشخص أن يستجيب للدعوة، ويشرح الله صدره للإسلام بمجرّد أن يسمع عدّة آياتٍ من القرآن، فلولا وجود فهمٍ إجماليٍّ عامٍّ للقرآن، لم يكن بالإمكان أن يحقّق القرآن هذا التأثير العظيم السريع في نفوس الأفراد، الذين عاشوا البيئة الجاهلية وظلامها.

ولكنّ هذا لا يعني أنّ معاصري الوحي، وقتئذٍ كانوا يفهمون القرآن كلَّه فهماً كاملاً شاملاً من ناحية المفردات والتراكيب، بنحوٍ يُتيح لهم أن يحدّدوا المدلول اللّفظي لسائر الكلمات والجُمَل والمقاطع التي اشتمل عليها القرآن الكريم، كما زعم ابن خلدون حيث قال في مقدّمته:

(إنّ القرآن نزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلّهم يفهمونه ويعلمون معانيه، في مفرداته وتراكيبه).

فإنّ نزول القرآن بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم لا يكفي وحده دليلاً على أنّهم كانوا - على وجه العموم - يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه.

________________________

(*) كتبه الشهيد الصدر.