وإلى جانب هذا الفهم الساذج للقرآن الذي لا يسمح لنا بإطلاق اسم (العلم) عليه نلاحظ ملامح خبرةٍ خاصّةٍ بدأت بالنمو والتجمّع عند عددٍ من الصحابة، نتيجة عوامل متعدّدةٍ ذاتيّةٍ وموضوعيّة، من قبيل حرص بعضهم بشكلٍ أكثر من غيرهم على الاستفادة من مجالس الرسول وحفظ ما يرد في كلامه من شرحٍ للنص القرآني أو تعليقٍ عليه، ومحاولة الواعين منهم التعرّف على تفصيلاتٍ أكبر مقدارٍ ممكنٍ من المعاني القرآنية، أو بسبب ظروفهم الموضوعيّة التي كانت تفرض وجودهم مع الرسول في المدينة، وفي غزواته المتعدّدة؛ ولدينا عدّة نصوصٍ تشير إلى هذا المعنى في عددٍ من الصحابة:
1 - عن عبد الرحمن السلمي قال: حدّثنا الذين كانوا يقرؤن القرآن؛ أنّهم كانوا إذا تعلّموا من النبي (صلّى الله عليه وآله) عشر آياتٍ لم يتجاوزوها حتّى يعلموا ما فيها من العلم والعمل... قالوا فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً، ولهذا كانوا يبقون مدّةً في حفظ السورة (1) .
2 - عن شقيق بن سلمة، خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: والله لقد أخذت من فيِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بضعاً وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّي من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم (2) .
3 - عن أبي الطفيل: قال شهدت عليّاً (عليه السلام) يخطب وهو يقول:
(سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آيةٍ إلاّ وأنا أعلم أبليلٍ نزلت أم بنهارٍ، أم في سهلٍ أم في جبل).
4 - عن نصير بن سليمان الأحمسي عن أبيه عن عليٍّ (عليه السلام) قال:
(والله ما نزلت
________________________
(1) الإتقان 2: 176، ط 1368.
(2) البخاري، فتح الباري 1: 423.