مُعْرِضُونَ* مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ* إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) (1) .
وجاء في سورة هود بعد قصّة نوح:
( تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) (2) .
فكلّ هذه الآيات الكريمة وغيرها تشير إلى أنّ القصّة إنّما جاءت في القرآن تأكيداً لفكرة الوحي التي هي الفكرة الأساس في الشريعة الإسلامية.
أكّدت القصّة أنّ الدين كلّه من الله سبحانه، وأنّ الأساس للدين الذي جاء به الأنبياء المتعدّدون هو أساس واحد لا يختلف بين نبيٍّ وآخر، فالدين واحدٌ ومصدر الدين واحدٌ - أيضاً - وجميع الأنبياء أُمّة واحدة تعبد هذا الإله الواحد وتدعو إليه.
وهذا الغرض، من الأهداف الرئيسة للقرآن الكريم، حيث يهدف القرآن من جملة ما يهدف إليه: إبراز الصلة الوثيقة بين الإسلام الحنيف وسائر الأديان الإلهيّة الأُخرى التي دعا إليها الرسل والأنبياء الآخرون؛ ليحتلّ الإسلام منها مركز الخاتميّة التي يجب على الإنسانية أن تنتهي إليها، ويسد الطريق على الزيغ الذي يدعو إلى التمسّك بالأديان السابقة على أساس أنّها حقيقيةٌ موحاة من قِبَل الله تعالى.
إضافةً إلى ذلك تظهر الدعوة على أنّها ليست بدعاً في تأريخ الرسالات، وإنّما هي وطيدة الصلة بها في أهدافها وأفكارها ومفاهيمها: ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ... ) (3) ، بل إنّها تمثّل امتداداً لهذه الرسالات الإلهيّة وتلك الرسالات تمثّل
________________________
(1) ص: 67 - 70.
(2) هود: 49.
(3) الأحقاف: 9.