خصوصاً وأنّ العرب المشركين كانوا ينظرون إلى علماء اليهود - الذين يتّصلون بهم أحياناً - أنّهم أهل الذكر والكتاب والوحي والمعرفة، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك، وبذلك يكون القرآن الكريم أكثر تأثيراً في هذه الأوساط - أيضاً - عندما يتحدّث عن النبي موسى (عليه السلام).
كما أنّ القرآن كان يسعى جادّاً لإعطاء فكرة أنّ هذه الرسالات إنّما تمثّل امتداداً واحداً في الوحي الإلهي وانتساباً واحداً إلى السماء في الوقت الذي كان يؤكّد استقلاليّة الرسالة الإسلامية، بمعنى أنّها ليست تابعة ومتشعبة من التحرّك الرسالي أو السياسي للرسالات الأُخرى، كما أنّها ليست عملاً تغييراً في إطار تلك الرسالات، بل هي من جانبٍ مصدّقة لها، ولكنّها من جانبٍ آخر - وفي الوقت نفسه - مهيمنة عليها:
( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (1) .
ويتّضح ذلك بشكلٍ أفضل: بملاحظة سياق الآيات السابقة عليها، والتي يُشير فيها القرآن الكريم إلى نزول التوراة والإنجيل والنسبة بينهما، والتي تختلف عن نسبة القرآن إليهما.
ومن الملاحَظ أيضاً - عندما ندرس ظاهرة القصّة في ضوء الهدف التغييري - أنّ القرآن الكريم تعرّض لقصص بعض الأنبياء، أو لتفاصيل فيها على الأقل، من أجل أن يزيل ما علق في أذهان الجماعة التي نزل فيها القرآن من أفكار
________________________
(1) المائدة: 48.