عن الحشر وتصوّر قدرة الله سبحانه على تحقيقه (بزجرة) واحدة؛ لأنّ الموقف فيها ينتقل من دعوة موسى لفرعون مع ما له من القدرة الدنيويّة وتكبّره وتجبّره وعظمته، إلى أخذ الله سبحانه له نكال الآخرة والأُولى، فإنّ هذا الانتقال يصوّر لنا هذه السرعة والقدرة في الحشر والنشر، ولذا نجد القرآن يرجع بعد إعطاء هذه الصورة الواقعية عن القدرة إلى الاستدلال على هذه الحقيقة بأدلّةٍ وجدانيّة:
( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا* وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا* وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ) (1) .
لقد عاش الإسرائيليّون في المجتمع المصري، وتكاثروا فيه: منذ هجرة يوسف وأبيه يعقوب وبقيّة أولاده إلى مصر.
وقد اضطهد الفراعنة الإسرائيليين في الحقبة السابقة على ولادة موسى، وبلغ الاضطهاد درجةً مريعةً حين اتّخذ الفراعنة قراراً بذبح أبناء الإسرائيليّين واستحياء نسائهم من أجل الخدمة والعمل، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يتفضّل على هؤلاء المستضعفين وينقذهم من حالتهم هذه، فهيّأ لهم نبيّه موسى، فعمل على إنقاذهم من الفراعنة (3) ، وهدايتهم من المجتمع الوثني إلى المجتمع التوحيدي.
وحين وُلد موسى (عليه السلام) أوحى الله سبحانه إلى أُمّه أن ترضعه وحين تخاف عليه
________________________
(1) النازعات: 27 - 32.
(2) نذكر من أحداث القصّة بمقدار ما تعرّض له القرآن الكريم.
(3) الأعراف: 141، إبراهيم: 6، القصص: 3 - 6.