من الذبح العام فعليها أن تضعه في ما يشبه الصندوق وتلقيه في اليمّ، وهكذا شاءت إرادة الله أن يلقيه اليمّ إلى الساحل، وإذا بآل فرعون يلتقطونه فيعرفون أنّه من أولاد بني إسرائيل، فتدخل امرأة فرعون في شأنه وتطلب أن يتركوه لها على أن تتّخذه خادماً أو ولداً تأنس به مع فرعون.
وقد عاشت والدة موسى لحظاتٍ حرجةً من حين إلقائه في اليمّ، فأمرت أُخته أن تقصَّ أثره وتتبع سير الصندوق فتتعرّف على مصيره، ففعلت، وحين عرض الطفل على المرضعات أبى أن يقبل واحدةً منهنّ، فانتهزت أُخته هذه الفرصة، فعرضت على آل فرعون أن تدلّهم على امرأةٍ مرضعة تتكفّل رعايته وحضانته وإرضاعه، وكانت هذه المرأة بطبيعة الحال هي أُمّ موسى، وهكذا رجع الطفل إلى أُمّه ليطمئنّ قلبها وتعلم أنّ ما وعدها الله سبحانه من حفظه وإرجاعه إليها حقٌّ لا شكّ فيه.
ولقد شبّ موسى في البلاط الفرعوني حتّى إذا بلغ أُشدّه وهبه الله سبحانه العلم والحكمة (1) .
ودخل موسى المدينة في يومٍ ما ( عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ) (متنكّراً) فوجد فيها رجلاً من شيعته (من الإسرائيليّين) يقاتل رجلاً آخر من أعدائه (الفرعونيّين) فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، فوكزه موسى فقضى عليه ولم يكن ينتظر موسى أن تؤدّي هذه الضربة إلى الموت، ولذلك ندم على هذا العمل المتسرّع الذي انساق إليه، فاستغفر ربّه عليه.
وأصبح موسى في المدينة خائفاً يترقّب أن ينكشف أمره فيؤخذ بدم الفرعوني، فينزل إلى المدينة مرّةً أُخرى فإذا به يواجه قضيّةً أُخرى متشابهة، وإذا الذي استنصره بالأمس فنصره يستصرخه اليوم أيضاً، فعاتبه موسى على
________________________
(1) القصص: 7 - 14، طه: 37 - 40.